للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أَخْبَرَنا اللهُ في القرآنِ عن استدراكٍ لسليمان على حُكْمٍ حَكَمَ به والدُه داودُ.

قال تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (٧٩) .

وأَوردَ الفادي روايةً عن ابنِ عباس - رضي الله عنهما - في حُكْمٍ داودَ وسليمانَ في قضيةِ الحرثِ والغنم، استدركَ فيها سليمانُ على حُكْمِ أبيه..

وخَطَّأَ القرآنَ في استدراكِ سليمانَ على حُكْمِ أَبيه، كما خَطَّأَ الروايةَ عن ابنِ عباس، واعتبرَ ذلك مُتعارضاً مع فطنةِ ودقةِ وحُكْمِ داود.

قالَ في تخطئَتِه: " كانَ داودُ من الأَنبياءِ الملْهَمين، ومن الملوك الحكماء، فلا

يُعْقَلُ أَن سُلَيمانَ كان يتعقَّبُ أَحكامَه، وهو والدُه، ولا نظنُّ أَنَّ داودَ الملْهَمَ يعْجَزُ عن حَلّ قضيةٍ كهذه..

أَمّا الذي انتقدَ أَحكامَ أَبيه فكانَ أَبْشالوم وليس سليمان، فإنَّ

أَبْشالومَ لما عَزَمَ على الثورةِ ضِدَّ والدِه كان يسترقُّ قلوبَ بني إِسرائيل، ويقولُ: مَنْ يجعلُني قاضياً في الأَرضِ لأُنصفَ المظلومَ! فكانَ يَقْبَلُ الواحدَ ويكرمُه ويُعَظّمُه، فاستمالَ الناسَ ثم قامَ بانقلابٍ فاشلٍ على والدِه ... " (١) .

ما ذَكَرَهُ الفادي عن قصةِ الملكِ اليهوديِّ أَبْشالوم مع أَبيه وثورتِه عليه

نتوقَّفُ فيه، فلا نُصَدّقُه ولا نُكَذِّبُه، لعدمِ وجودِ دليلٍ عنْدَنا عليه.

أَمّا تخطئةُ الفادي لكلامِ القرآنِ عن ما جَرى بينَ داودَ وسليمانَ - صلى الله عليهما وسلم - فهي مردودةٌ عليه، وما قالَه القرآنُ عنها فهو الصحيحُ والصَّواب، وهذا عندنا يَقين.

لقد استدركَ سليمانُ على حكْمِ لأَبيه - صلى الله عليه وسلم - في قضيةِ الحَرْثِ والغَنَم، وقَبِلَ داودُ استدراكَ ابنه وأَنْفَذَ له حُكْمَه، وليس معنى هذا اتهامَ داودَ - صلى الله عليه وسلم - بالعجْزِ أَو الضعفِ أَو الخَطأ في الحُكْم، فقد آتى اللهُ داودَ فقْهاً وعلْماً وحكمةً وفِطْنَة، قال تعالى عنه: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) .

وقال تعالى: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠) .


(١) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
١٠٦- سليمان أو أبشالوم
إن داود وسليمان - كما فى القرآن - حكما فى الحرث، وإن سليمان راجع داود فى الحكم.
ثم ذكر كلام المفسرين فى هذه القضية. وعقب عليه بقوله: القضية تليق بأبشالوم بن داود؛ لأنه كان دائماً يعارض أقوال أبيه ولا تليق بسليمان.
الرد على الشبهة:
إن فى التوراة أن سليمان كان حكيماً. أحكم من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته. واللائق بحكمته هو الحكم فى الحرث. ففى الإصحاح الرابع من سفر الملوك الأول: " وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بنى المشرق، وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس من إيثان الأرزاحى، وهيمان وكلكول ودردع بنى ماحول، وكان صيته فى جميع الأمم حواليه وتكلم بثلاثة آلاف مثل، وكانت نشائده ألفا وخمسا. وتكلم عن الأشجار من الأرز الذى فى لبنان، إلى الزوفا الثابت فى الحائط، وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك. وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته " [امل ٤: ٣٠ - ٣٤] .
اهـ (شبهات المشككين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>