للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشَكَّكَ الفادي في هذا واعتبرَهُ من أَخطاءِ القرآنِ التاريخية.

ونَقَلَ عن الدكتورِ علي حسني الخربوطلي قولَه: " إِنَّ الوثنيّين هم الذين

بَنَوُا الكعبةَ لعبادةِ زُحَل والأَصنام، وكان العربُ يحجّونَ إِليها لتعظيمِ

أَصنامِهِم ".

ويُعَلِّقُ الفادي على كلام الخربوطلي بأَنه من الخطأ اعتبارُ الكعبةِ بيتاً

لعبادةِ الله، قال: " من الخَطَأ أَنْ يُقالَ: إِنَّ الكعبةَ بيتُ اللهِ أَو مقامُ إبراهيم، فأين بيتُ اللهِ من بيتِ الأَصنام؟ " (١) .

وما نسبَهُ الفادي إِلى الخربوطلي مردود، والدكتورُ علي حسني

الخربوطلي مسلمٌ، لا يُخالفُ ما وَرَدَ في القرآن، وهو في كتابه " الكعبة على

مر العصور " يذكرُ بعضَ ما قيلَ عن تاريخِ الكعبةِ وماضيها، فذَكَرَ أَنَّ بعضَهم ذهبَ إِلى أَنَّ الكعبة بُنيتْ لعبادةِ الكواكبِ والأَصنام، والخربوطلي لا يَقولُ بذلك، لكنه وجدَ هذا القول فسجَّلَه، ضمن أقوالٍ أُخرى، وباعتبارِه كاتباً مسلماً فقد رَجَّحَ ما وَرَدَ في القرآنِ، من أَنها أَوَّلُ بيت وُضِعَ لعبادةِ الله!.

ولكنَّ الفادي الخبيث، وَقَفَ أَمامَ الأَقوالِ التي أَوردَها الخربوطلي،

وَرجَّحَ القولَ الذي يتفقُ مع هواه، فاختارَه من بين تلك الأَقوال، ليجعَلَه دَليلاً على خطأ القرآن.

وكنا نتمنَى على الدكتورِ الخربوطلي لو لم يذكُرْ تلكَ الأَقوالَ الباطلةَ المردودة المخالفةَ للقرآن، وأَنْ يكتفي بذكْرِ ما وَرَدَ في القرآن، حتى لا يحتجَّ أَصحابُ الأَهواءِ والمغرضون - كالفادي - بتلك الأَقوال!!.

والراجحُ في نشأةِ الكعبةِ هو ما قالَه القرآنُ، من أَنَّها أَوَّلُ بيتٍ وُضِعَ

للناس لعبادةِ الله، وكان الموحِّدونَ المؤمنونَ يحجُّونَ إِليها لعبادةِ اللهِ وحْدَه.

وخَطَّأَ الفادي المفترِي القرآنَ في إِخبارهِ أَنَّ إِبراهيمَ هو الذي بنى

الكعبة، وبقيَ " مَقامُ إبراهيم " الذي كان يَقِفُ عليه أَثناءَ البناءِ بجانبها، قالَ

تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) .

وزَعَم أَنَّ إِبراهيمَ - عليه السلام - كانَ يُقيمُ في فلسطين، فأَينَ هو من الحجاز؟!.

قال: " ومعلومٌ أَنَّ إِبراهيمَ كان يَسكنُ أَرضَ


(١) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
١١٢- الكعبة مقام إبراهيم
إنه جاء فى القرآن أن الكعبة أول بيت وضع للناس. وأنها كانت مقام إبراهيم، ومعلوم أن الكعبة من بناء الوثنيين كما جاء فى الكتب التاريخية.
الرد على الشبهة:
أولاً: إن الكعبة ليست من بناء الوثنيين كما جاء فى الكتب التاريخية التى لا يشك أحد فى أن لليهود دخل فيها. وإنما هى من بناء نوح - عليه السلام - فإنه لما خرج من السفينة، ونجا من الغرق هو ومن آمن معه. بنى " مذبحاً " لذبح الحيوانات عنده قرباناً لله تعالى. ففى التوراة: " وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة، ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح " [تك ٨: ٢٠] وهذا المذبح كان فى أرض مكة المكرمة المدينة التى استقر الفلك فيها على الجُودِىّ. والدليل على ذلك قول التوراة: إن الناس من بعد نوح ارتحلوا شرقاً إلى أرض شنعار التى هى أرض العراق. فارتحالهم إلى الشرق إلى العراق يدل على أن السفينة كانت فى بلاد العرب. ذلك قوله: " وكانت الأرض كلها لساناً واحداً ولغة واحدة. وحدث فى ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا بقعة فى أرض شنعار، وسكنوا هناك " [تك ١١: ١ - ٢] .
وليس فى القرآن نصوص صريحة على أن العرب قد عبدوا الأصنام حتى يقال: إن الكعبة كانت لصنم رُحل. وفى التوراة نصوص صريحة على أن اليهود وأدوا نبيهم وبناتهم فى النار للعرافة والسحر وأنهم عبدوا الأصنام. بل وفى القرآن نصوص صريحة على أن اليهود عبدوا صنم البعل فى أيام إلياس - عليه السلام - ففى الزمور المائة والسادس: " وأهرقوا دماً زكيًّا. دم نبيهم وبناتهم الذين ذبحوا لأصنام كنعان وتدنست الأرض بالدماء " [مز ١٠٦: ٣٨] . وفى الإصحاح الخامس والستين من سفر إشعياء: " أما أنتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسى، ورتبوا للسعد الأكبر مائدة، وملأوا للسعد الأصغر خمراً ممزوجة.. " [إش ٦٥: ١١] .
فى ترجمة الكتاب المقدس فى الشرق الأوسط سنة ١٩٩٥م تحت كلمة السعد الأكبر: لجاد وهو المشترى، وتحت كلمة السعد الأصغر: لمَنَى وهو الزهرة.
وفى ترجمة ١٩٩٥م بلبنان: " ونسيتم جبلى المقدس. وهيأتم مائدة للإله جاد، ومزجتم الخمر للإلهة مناة " والتعليق عندهم هكذا: جاد ومناة إلهان عند الكنعانيين.
هذا مما فى التوراة عن عبادة اليهود للأصنام ومما فيها: " بعدد مدنك صارت آلهتك يا يهوذا، وبعدد شوارع أورشليم وضعتم مذابح للخزى ومذابح للتبخير للبعل " [إرمياء ١١: ١٣] .
ويمكن الفهم من آيات فى القرآن أن العرب بنى إسماعيل - عليه السلام - لم يعبدوا الأصنام قط. فإبراهيم - عليه السلام - وهو يبنى الكعبة ولم يكن له من ولد غير إسماعيل، يطلب من الله طلبين فى ذريته:
أولهما: أن يجنبهم عبادة الأصنام، وثانيهما: أن يبعث فيهم نبيًّا منهم.
وإذ شهد الواقع بتحقيق الطلب الثانى فإن محمداً قد أرسل؛ يكون الطلب الأول قد تحقق أيضاً.
وفى القرآن أن الله قد عاهد إبراهيم وإسماعيل بتطهير الكعبة من الأصنام ولم يذكر أنهم نقضوا العهد. كما ذكر أن اليهود نقضوا فى قوله (فبما نقضهم ميثاقهم..) (١) .
وأما قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة..) (٢) فإن فى التوراة أن اليهود عبدوا صنم مناة. والضمير فى (أفرأيتم) يحتمل أنه للعرب ويحتمل أنه لليهود. واحتمال عوده إلى اليهود أقوى لوجود شواهد فى التوراة عليه. ولا يقدر عاقل على اتهام بدليل محتمل.
وأما قوله تعالى: (وإذا الموءودة سُئلت بأى ذنب قتلت) (٣) ففى التوراة أن اليهود وأدوا نبيهم وبناتهم. وليس فى القرآن من نص صريح على نسبة الوأد إلى العرب. اهـ (شبهات المشككين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>