العمليةِ لصفاتِ الله، وبين الزعمِ بوجودِ ثلاثةِ كيانات، انبثقَ كلُّ كيانٍ عن
الذي قَبْلَه، وكأَننا أَمامَ شخصياتٍ ثلاثة: الآبُ والابنُ والروحُ القُدُس!!.
ويَدْعو الفادي الجاهلُ إِلى مَلْءِ الفجوةِ الهائلةِ بين اللهِ والإِنسانِ بالتثليثِ
والشراكة: " ولا نَستطيعُ أَنْ نملَأَ الفجوةَ الهائلةَ بين علاقةِ الإِنسانِ بالله على
غيرِ قاعدةِ الأُبُوةِ والبنوةِ، وحياةِ الشركةِ المعلنةِ في عقيدةِ الثالوث القويمة "!!.
وهذا هو أَساسُ الانحرافِ عند النصارى، الذي دَفَعَهم إِلى الإِيمانِ
بالأَقانيمِ الثلاثةِ والقولِ بالتثليث: إِنه ملءُ الفجوةِ بينَ اللهِ والإنسان، بحيثُ
أَدّى ذلك إِلى اتِّحادِ الخالقِ والمخلوق، وصارتْ حياةُ المخلوقِ انعكاساً
للخالق، ومَظْهَراً مادّياً عمليّاً له!.
وهذا هو ما تَمَيَّزَ به الإِسلام، حيثُ حَرَصَتْ نصوصُه على عدمِ مَلْءِ
الفجوةِ بين اللهِ والإِنسان، بل التأكيدُ المتواصلُ على الفصلِ الدقيقِ بين الخالقِ والمخلوق، والعابدِ والمعبود، ولذلك قامَت العقيدةُ الإِسلاميةُ على الإِيمانِ بحقيقتَيْن منفصلتَيْن: حقيقةِ الأُلوهية، وحقيقةِ العبودية..
فالرَّبُّ هو اللهُ وحْدَه، وما سواه ليسَ رَبّا ولا إِلهاً ولا مَعْبوداً، إِنما هو عبدٌ مخلوقٌ ضعيفٌ عاجز!!.
ووردَ هذا في آياتٍ عديدةٍ في القرآن، في مقدمتِها سورةُ الإِخلاص:
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) .
ولا يلزمُ من الفصلِ التامِّ بين الخالقِ والمخلوق، والعابدِ والمعبود،
واللهِ والإِنسان تعطيلُ صفاتِ الله، أَو السيرُ في الحياةِ بعيداً عن الله، فالمؤمنُ يستحضرُ دائما عظَمةَ الله، ويشعُرُ بمعيَّتِهِ، ويأنَسُ به، ويَعيشُ مظاهرَ صفاتِه الإيجابية، ويَرى آثارَها فيه وفيما حولَه، فيعيشُ بالله ولله وفي الله ومع الله ...
لكنْ مع استحضارِه الفرقَ البعيدَ بينَه وبينَ الله، ويَقينه بأَنَّ الله متفردٌ في ذاتِه
وصفاتِه واَفعالِه.
قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) .