للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نُعيدُ ما قلناهُ قبلَ قليلٍ عن دلالةِ الجملةِ الشرطية: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) .

إِنما نُشيرُ إِلى افتراءِ وكَذِبِ الفادي في فريتِه، التي جعلَ فيها الكتابَ المقَدَّسَ مَرْجعاً للقرآنِ، وحَكَماً عليه.

وقد أَخْبَرَنا اللهُ أَنَّ القرآنَ هو المرجعُ والحَكَم، وأَنَّ الكتبَ السابقةَ

كالتوراةِ والإِنجيل لا بُدَّ أَنْ تُحاكَمَ إِلى القرآن، وأَنْ تُعْرَضَ على القرآن، فما

اتفقَ مع القرآنِ منها أَخَذْناهُ، وما خالفَ القرآنَ رَدَدْناه، وجَزَمْنا بوضعِه وكَذِبِه واختلاقِه، وأَنه ليسَ من كلامِ الله، وإِنما هو من كلامِ الأَحبارِ أَو الرهبان.

قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) .

وافترى الفادي كذبةً أُخرى عندما نَسَبَ إِلى القرآنِ إِقْرارَه بأَنَّ توراةَ يهودِ

عصْره صحيحةٌ سليمة، قال: " وأَكَّدَ القرآنُ أَنَّ التوراةَ المَي بينَ يَدي يهودِ

عصْرِه صحيحةٌ سليمة، فيها حُكْمُ الله، والأَوْلى أَنْ يَرْجِعوا إِليها، لا أَنْ

يَرْجِعوا إِلى محمد، فقال: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ) .

وأَوصى القرآنُ المسيحيين أَنْ يُلازِموا أَحكامَ إِنجيلِهم، وحَكَمَ

بالفِسْقِ على مَنْ لا يُقيمُ أَحكامَ الإِنجيل.

فقال: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧) .

لم يُقِر القرآنُ أَنَّ التوارةَ التي مع اليهودِ في عصْرِ التنزيلِ صحيحةٌ سليمةٌ،

فيها حُكْمُ اللهِ الذي يَجبُ أَنْ يُتَّبَع، وإِنما جَزَمَ أَن هذه التوارةَ محرفةٌ مَكْذوبة.

وجاءَ هذا في عدةِ آيات، منها قولُه تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) .

وقوله تعالى: (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا) .

وأَنكرَ اللهُ على اليهودِ احتكامَهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأَنهم أَرادوا بذلك التلاعبَ والتحايلَ والمكْرَ والخِداع، بهدفِ الحُصولِ على حُكْمِ مُخَفَّفٍ منه، وقد عَرَفَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا التلاعُبَ والمكر، فحكَمَ فيهم بَحكْمِ اللهِ في

التوراة، وأَقامَ حَدَّ الرجمِ على اليهوديِّ واليهوديةِ اللَّذَيْنِ زَنَيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>