للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ ما ذَكَرَهُ القرآنُ عن محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أَكثرُ مما ذَكَرَه عن عيسى - عليه السلام -، وكذلك ما ذَكَرَهُ عن إِبراهيمَ وموسى - عليهما السلام - أَكثرُ مما ذَكَرَهُ عنه.

أولاً: مثل عيسى كمثل آدم:

أَخْبَرَ اللهُ أَنَّ مَثَلَ عيسى كَمَثَلِ آدم - عليه السلام -.

قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) .

خَلَقَ اللهُ آدمَ - عليه السلام - من تراب، ثم نَفَخَ فيه من روحِه، وقالَ له: كُنْ إِنساناً حَيّاً، فكانَ إِنْساناً حَيّاً..

وهكذا عيسى - عليه السلام -، أَرادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَه بدونِ أَبٍ، فأَمَرَ

جبريلَ - عليه السلام - أَنْ يَنفخَ روحَه في مريم - عليها السلام - فَفَعَل، وقالَ الله لعيسى: كُنْ إِنساناً حَيّاً في رَحِمِ مريم، فكانَ كما أَرادَ الله.

فلا غَرابةَ في خَلْقِ عيسى - عليه السلام - بدونِ أَبٍ، كما أَنه لا غَرابةَ في خَلْقِ آدمَ بدونِ أَبٍ أَو أُمّ.

ولكنَّ هذا الكلامَ لم يُعْجب الفادي المفترِي، ولذلك اعترضَ على الآيةِ

بقولِه: " ونحنُ نَقولُ: إِنَّ آدَمَ مِثْلُ المسيحِ في أَنه أَبو الجِنْسِ البشريِّ ووكِيلُه

ونائبُه، ولكنَّ آدمَ بمعصيتِه جَرَّ ذريتَه جَميعاً للهَلاك.

أَمّا المسيحُ فهو أَبٌ ووكيلٌ ونائبٌ جَديدٌ للمؤمنين به، الذين مَنَحَتْهُم كفارتُه وعملُه النيابيُّ وطاعتُه خلاصَهم، ولهذا قالَ الإِنجيل: آدمُ الذي هو مِثالُ الآتي ".

أَمّا أَنَّ آدمَ - عليه السلام - أَبو البشر فهذا متفقٌ عليه، لأَنه أَوَّلُ مخلوقٍ من البشر.

وأَمّا أَنّ عيسى المسيحَ - عليه السلام - أَبو البشرِ فهو أَمْرٌ مَرْفوض، لأَنه وُلدَ بعدَ آدمَ بفترةٍ طويلة، تَزيدُ عن مئاتِ الآلافِ من السنين.

ولقد كانَ الفادي وأَهْلُ ملَّتِه مُغالين مُبالغين عندما اعْتَبَروا عيسى - عليه السلام - أَباً للبشر، ووكيلَهم ونائباً عنهم، لدرجةِ أَنْ

فَداهم بنفسِه، وجَعَلَ دَمَه كفارةً لذُنوبهم، وتَخْليصاً لهم!! وقد سبقَ أَنْ ناقَشْنا الفادي في موضوعِ الكفارةِ والفداءِ والخلاص.

ويُخَطِّئُ الفادي الآيةَ، لأَنها شَبَّهَتْ عيسى - عليه السلام - بآدمَ: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) .

فهو يَرى أَنَّ خَلْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>