للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهِمَ من قولِ اللهِ للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أَنه يستشيرُهم،

ويقولُ لهم: ما رَأْيُكُم؟

أَشيروا عَلَيَّ أَيها الملائكةُ، هل من المناسبِ أَنْ أَجعلَ في الأَرضِ خليفةً؟

ولذلك عَلَّقَ على ذلك بأَنَ اللهَ لا يَحتاجُ إِلى أَنْ يُشيرَ عليه أَحَد!.

والصحيحُ أَنَّ قولَ اللهِ للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ليسَ من بابِ استشارتِهم، لأَنَّ اللهَ سبحانَهُ لا يَحتاجُ إِلى مشورةِ أَحَد، لأَنَّه أَحاطَ بكلِّ شيءٍ علماً، وهو الأَعلمُ بالأَنسبِ والأَفضلِ والأَحكم، وكُلُّ فِعْلٍ يفعَلُه فهو صَواب!.

إنَّ قولَه للملائكةِ من بابِ إِخبارِهم بما سيفعَلُه، ليكونَ عندهم علم وخَبَرٌ

بما قررَ سبحانَه أَن يفعلَه، ولذلك جاءت الجملةُ بصيغةِ الجَزْمِ والقطعِ، حيثُ قالَ لهم: (إِنِّي جَاعِلٌ) ، ولم يقل: " إني سأجعل " ومن المعلومِ أَنَّ اللهَ يُخبرُ مَنْ شاءَ مِنْ خَلْقِه بما شاءَ أَنْ يَفعلَه، سواء كانَ المخلوقُ مَلَكاً مُقَرَّباً أَوْ نبيّاً مُرْسَلاً!!.

وفَهِمَ الفادي من سؤالِ الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) : أَنه اعتراضٌ منهم على فِعْلِ الله، فهم

يُنكرونَ على اللهِ فِعْلَه، ويُخَطِّئونَه في ما سيفعَلُه، وهذه معصيةٌ منهم لله، وتَمَرّدٌ عليه! فكيفَ يفعلونَ ذلك؟.

وهذا فَهْمٌ خاطئ مردود! فلم يكن سؤالُهم من بابِ الاعتراضِ والإِنكار،

وإِنما كانَ من بابِ الاستفسارِ والاستِعلام، وكأَنَّهم قالوا: يا رَبَّنا: إِنّا نَعلمُ

أَنك عليمٌ حكيم، وأَنَّ فِعْلَكَ هو الصواب، لكننا نريدُ منك أَنْ تُخبرنا عن

حكمةِ ذلك، فما حكمةُ جَعْلِكَ خليفةً في الأَرض، يُفسدُ فيها ويَسفكُ

الدماء؟.

ولم يكن قولُهم عن آدمَ: (مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) طَعْناً في آدَمَ

واتِّهاماً له قَبْلَ خَلْقِه، كما أَنه لم يكن ادِّعاءَ العِلْمِ بالغيب منهم، كما فَهِمَ

الفادي الجاهل، فإِنَّه لا يَعلمُ الغيبَ إِلّا الله.

وكلامُهم عن الخليفةِ أَنه سيُفسدُ في الأَرضِ ويَسفكُ الدّماءَ صحيح، بدليلِ إِقرارِ اللهِ له، ولو كانَ خَطَأً لأَخبرهم اللهُ أَنه خطأ، ولذلك اكتفى بقولِه لهم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>