قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) .
وقد اعترضَ الفادي على هذهِ الآيات وخَطَّاَها، لأَنَّها تَتعارضُ مع
توحيدِ اللهِ وعدْلِه! قال: " ونحنُ نسأَل: في أَوَّل الأَمْرِ عَلَّمَ اللهُ آدَمَ الأَسماءَ،
ثم عَرَضَهم على الملائِكةِ فَعَجَزوا عن التَّسمية، واعْتَرَفوا بالعَجْز! فكيف
يمتحنُ اللهُ الملائكةَ في ما لا يَعرفونَه، ويُعطي الإِجاباتِ لآدمَ ليَعْلَمَ ما لا
يَعْلَمون؟
وكيفَ أَمَرَ الله ُ الملائكةَ أَنْ يَسْجُدُوا لآدَم؟
وحاشَ للهِ القُدْوسِ أَنْ يأْمُرَ بالسجودِ لغيرِ ذاتِه العلِيَّة! قال اللهُ في الخروج: لا تَسْجُدْ لإلهٍ آخَر، لأَنَّ الربَّ اسْمُه غَيور، إِلهٌ غَيورٌ هو ".
واعتراضُه لا وَزْنَ له، فليسَ في الآيةِ ما يَدْعو للاعتراضِ والإنكار.
أَرادَ اللهُ أَنْ يُبَيِّنَ للملائكةِ الحكمةَ من جعْلِه آدَمَ وذريَّتَه الخلفاءَ في
الأَرض، مع أَنه قد يَصدُرُ عن هؤلاءِ الخلفاءِ إفسادٌ في الأَرضِ وسفَكٌ للدماء.
فلما طَلَبوا من الله أَنْ يُخْبرَهم بحكمةِ استخلافِ آدَمَ أَجْرى لهم ولآدَمَ
الامتحان، الذي أَشارتْ له هذه الآيات، وهي مرتبطةٌ مع الآيةِ السابقة التي
تَحَدَّثْنا عنها في المبحت السابق: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) .
رَدَّ على سُؤالِهِم بأَنه يَعلمُ ما لا يعلمون، أَيْ أَنَّه يَعلمُ أَنه لا يَصلحُ
للخلافةِ في الأَرض إلَّا هذا الخليفة، لِأَنه سيُزَوِّدُه بوسائلَ ومواهبَ وطاقاتٍ
وقُدُرات، يتمكَّنُ بها من حُسْنِ الخلافةِ في الأَرض، وفي مقدمتِها العلمُ الذي
وَهَبَهُ اللهُ إِياه، والنطقُ الذي مَكَّنَهُ منه، بحيثُ يَستطيعُ أَنْ يُعَبِّرَ عما في نفسِه،