للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا معناهُ أَنَّ اللهَ قَدَّرَ كُلَّ شيءٍ في الوجودِ وأَرادَه، وجاءَ هذا الشيءُ

كما قَدَّرَهُ اللهُ وأَرادَه، سواءٌ كانَ هذا الشيءُ خَيراً أَو شَرّاً، هُدى أَو ضَلالاً، طاعةً أَو معصية..

وهذا معناهُ أَنَّ الشُّرورَ والمصائبَ تكونُ بقَدرِ اللهِ سبحانه؟

لأَنها إِنْ لم تَكُنْ بقَدَرِ اللهِ وإِرادتِه يكونُ أَصحابُها قد فَعلوها رَغْماً عن الله،

ويَكونونَ بذلك قد قَهَروهُ وغَلَبوهُ، وأَعْجَزوهُ وهَزموه!!.

وليس معنى كونِ الشُّرورِ واقعةً بقَدَرِ اللهِ وإِرادتِه أَنَّ اللهَ راضٍ عنها مُحِبّ

لأَصحابِها، أَو أَنَّ اللهَ مُحِبٌّ لهذه الشرورِ راغبٌ فيها وآمِرٌ بها، فإِنَّ اللهَ لا

يَرضى عن الشرور، ولا يُحِبُّ أَصحابَها، ولا يَأَمُرُ بها سبحانَه.

ولذلك رَدَّ الله على الذين بَرَّروا فواحِشَهم بأَنَّ اللهَ يُحِبُّها ويأمُرُهم بها بقولِه (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) .

ولقد فَرَّقَ القرآنُ بينَ تقديرِه للكفرِ وعَدَمِ رضاهُ به، وبينَ تقديرِه للإِيمانِ

والشكرِ ورِضاهُ به.

قالَ تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .

وهذا مَعناهُ أَنَّ القرآنَ يُفَرِّقُ بينَ القَدَرِ والرِّضا والإِرادةِ والمحَبَّة، فليس

كلُّ ما يُقَدِّره يَرضى عنه ويَأْمُرُ به، وليس كُلُّ ما يُريدُهُ اللهُ يُحِبُّه، فالشُّرورُ

يُقَدِّرُها اللهُ ويُريدُها، لكنَّه لا يَرضى عنها ولا يُحِبُّها، ولذلكَ يُعاقبُ أَصحابَها، أَمّا الطاعاتُ فإِنَّ اللهَ يُقَدِّرُها ويَرضى عنها، ويُريدُها ويحبُّها، ولذلك يُثيبُ أَصحابَها!!.

ومِن كُرْهِ اللهِ للشّرورِ أَنه نهى عنها، ومن محبتِه للطاعاتِ أَنه أَمَرَ بها،

وأَرسلَ رسلَهُ بالدعوةِ إِلى الخيرِ، والأَمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر.

ومن جانبِ آخَر، فإِنَّ اللهَ مَنَحَ الإِنسانَ حريةَ الاختيار، والقدرةَ على

الاختيار، وتمكينَه من الاختيار، ولم يُجْبِرْه على شيء، ولم يُكْرِهْهُ على اختيارِ شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>