ثم يَعترضُ الفادي على القرآنِ في حديثِه عن الأَشهرِ الحُرُم، ويتهِمُه
بالتناقُض! فبعدما اعترفَ القرآنُ أَنَّ الأَشهرَ الحُرُمَ من شعائرِ اللهِ التي يَحرمُ
القِتالُ فيها، ونهى المسلمينَ عن استحلالِ القتالِ فيها، وذلك في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) .
عادَ وأَباحَ للمسلمين القتالَ في الشهرِ الحَرام، وذلك في قوله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) .
مع أَنَّ الأَمْرَ ليس كما - فهمَه ذلك الجاهل، وإِنَّنا نوقنُ أَنه لا تَعارُضَ بين
- آياتِ القرآن.
فالقراَنُ حَرَّمَ على المسلمين بدءَ القتالِ في الأَشهرِ الحُرُم؛ لأَنها من شعائر الله التي لا يَجوزُ استحلالُ القِتال فيها، حتى العربُ في الجاهليةِ
احترموها ولم يَتَقاتَلوا فيها، ولذلك كان المسلمونَ أَكْثرَ احْتِراماً لها.
لكنَّ القرآنَ أَجازَ للمسلمينَ الرَّدَّ على قِتالِ الأَعداءِ لهم فيها، ولا يُلامُ
المسلمونَ على رَدِّ العُدوانِ في الأَشهرِ الحُرُم، إِنما يُلامُ الأَعداءُ المعتَدون،
الذين انتهكوا حرمةَ تلك الأَشهر الحُرُم، وليس من المعقولِ أَن يُهاجِمَ
الأَعداءُ المسلمين، وأَن يسكتَ عليهم المسلمونَ بحجةِ حرمةِ القِتالِ في
الأَشهُرِ الحُرُم! وعلى هذا قولُه تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) .
وبهذا الجمع بين الآيات التي تُحَرِّمُ بَدْءَ القتالِ في الأَشهر الحُرُم، والآياتِ التي تُبيحُ رَدَّ الاعتداءِ في الأَشهرِ الحُرُم نُدركُ حكمةَ التشريعِ الإسلاميِّ الجهادي.
والأَمْرُ في هذه المسألةِ مثلُ حُكْمِ القتالِ عند المسجدِ الحرام، فاللهُ حَرَّمَ على المسلمين البدءَ بقتالِ الكافرين عندَ المسجدِ الحرام، لكنه أَجازَ لهم الرَّدَّ على قتالِهم.
قال تعالى: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) .