وقد ذَكَرَ الفادي خمسَ عشرةَ آيةً تحدثَتْ عن قصةِ قومِ مَدْيَنَ في سورةِ
الشعراء [الشعراء: ١٧٦ - ١٩٠] ، ثم ذَكَرَ كلاماً مَنْسوباً لابنِ عباسٍ في كيفيةِ إِهلاكِ قومِ مدين، خُلاصتُه أَنَّ اللهَ بَعَثَ عليهم حَرَّاً شديداً من جَهَنَّم، بحيثُ لم ينفَعْهم ظِلّ ولا ماء ولا سِرْداب، فَهَرَبوا إِلى البريَّة، فأَرسلَ اللهُ لهم سَحابَةً أَظَلَّتْهم، فوجَدوا لها بَرْداً ونَسيماً، ولما تَنادَوْا إِليها وصاروا تَحْتَها، جَعَلَها الله عليهم ناراً فأَحرقَتْهم!.
وعَلَّقَ الفادي على ذلك بقولِه: " ونحنُ نسأل: لا نَجِدُ في الكتابِ
المقَدَّسِ كلمةً عن رجلٍ اسْمُه شُعَيب، أُرسلُ إِلى مَدْيَن، ولا أَنَّ مَدْيَن هلكَت
بالنّار، وهل من المعقولِ أَنَّ سَحابة تَبعَثُ نَسيماً عَليلاً وهَواءً طيباً، وهي نارٌ
حاميةٌ تَحرقُ المدُنَ فتُفْنيها؟ ".
إِنّ الفادي المفترِي يُكَذِّبُ كلامَ القرآنِ عن نبوَّةِ شُعيبِ - عليه السلام -، وعن إِهْلاكِ مَدْيَن، لأَنَّ الكتابَ المقَدَّسَ الذي يؤمنُ به لم يَذْكُرْ ذلك، ونحنُ نؤمنُ بأَنَّ شُعَيباً - عليه السلام - هو رسولُ اللهِ إِلى مَدْيَن، وأَنهم لما كَذَّبوه أَهلكَهم الله، لأَنَّ اللهَ ذَكرَ ذلك في القرآن.
والخلافُ بَيْنَنا وبين الفادي في المرجعية، إِنَّ مرجعيَّتَه هي ما يسمِّيه
بالكتابِ المقَدَّس، وهو يؤمنُ بكلِّ ما وَرَدَ فيه، ويُكَذِّبُ كُلَّ ما لَم يَرِدْ فيه،
لأَنه عنده كلامُ الله! ونحنُ لا نُؤمنُ بذلك، لأَنَّ اللهَ أَخْبَرَنا أَنَّ اليهودَ حَرَّفوا
التوراة، وأَنَّ النصارى حَرَّفوا الإِنجيل، فكَثيرٌ مما ذُكِرَ في أَسفارِ الكتاب
المقَدَّس من كَلامِ الأحبارِ والرُّهبان المشكوكِ فيها!.
ومرجعيتُنا نحنُ هي القرآن، لأَنه كلامُ الله، وكلُّ ما وردَ فيه نؤمنُ به
ونصَدِّقُه، ولكنَّه يُنكرُ أَنْ يكونَ القرآنُ من عندِ الله، ولذلك يُكَذِّبُ ما وَرَدَ فيه!.
نحنُ نؤمنُ أَنَّ اللهَ بَعَثَ شُعَيْباً - عليه السلام - نبيّاً رسولاً إِلى قومِ مَدْيَن، وأَنَّ معظمَهم كَذَّبوه وكَفَروا به، فعذَّبَهم اللهُ بالرجفةِ والظُّلَّةِ فأَهلَكَهم وقَضى عليهم.