الراجحُ أَنَّ الذي بَنى المسجدَ الأَقصى هو إِبراهيمُ - عليه السلام -، وقد أَخْبَرَنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَوَّلَ مسجدٍ بُنِيَ هو المسجدُ الحرام، وأَنّ الثاني هو المسجدُ الأَقصى..
روى مسلم عن أَبي ذَر الغفاريِّ - رضي الله عنه - قال: قلْتُ: يا رسولَ الله!
أَيُّ المساجِدِ بُنِيَ أَوَّلاً؟
قال: " المسجدُ الحرام ".
قلت: ثم أَيّ؟
قال: " المسجدُ الأَقصى ".
قلتُ: كم بَيْنَهما؟
قال: " أَربعونَ سَنَة! ".
وأَوَّلُ مَنْ بنى المسجدَ الحرامَ هو إِبراهيمُ وابنُه إِسماعيلُ - عليهما السلام -.
قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) .
فإذا كانَ إِبراهيمُ هو باني المسجدِ الحرامِ يكونُ هو الذي بنى المسجدَ الأَقصى بعدَ ذلك بِأَربعينَ سَنَة!.
وقد عَدَت العوادي على المسجدِ الأَقصى بعدَ ذلك، وتَأَثَّرَ بالأَحداث،
فَهُدِمَ، ثم أُعيدَ بِناؤُه، ثم هُدِمَ، ثم أُعيدَ بِناؤُه ...
ومن الذين أَعادوا بناءَه بعدَ ذلك النبيُّ الملكُ سليمانُ بنُ داود عليهما
الصلاة والسلام، حيث جَدَّدَ بناءَ المسجدِ الأَقْصى، ولم يَبْنِ الهيكلَ المزعوم،
الذي يزعُمُه اليهود.
فلما أُسريَ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كان المسجدُ الأَقصى مُتَهَدِّماً، ولكنْ كانَتْ بعضُ معالِمه وأَطلالِه موجودة، فالأَرضُ هي أَرضُ المسجِد، وبعضُ حجارتِه مُتَناثرَة عليها، وبعضُ جدرانِه وأَعمدتِه موجودة، وبعضُ أَبوابِه موجودة، ولكنَّ البناءَ مُتَهَدِّم..
ولما نَزَلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن "البُرَاقِ " - الدابَّةِ التي ركبَها في الإِسراء - رَبَطَهُ في حلقةِ بابِ المسجدِ الأَقصى، حيث كانَ الأَنبياءُ يَربطونَ دوابَّهم، وصَلَّى في المسجدِ بالأَنبياء، الذين جَمَعَهم اللهُ له.
وعند الفتحِ الإِسلاميِّ لبيتِ المقْدِس كانت أَطلالُ المسجدِ قائمة، ولما
دَخَلَ عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - القدسَ وَقَفَ على أَطلالِ المسجدِ وصارَ يُنَظِّفُه..
ثم بنى الخليفةُ الأَمويّ الوليدُ بنُ عبدِ الملك المسجدَ الأَقصى.
أَوْ قُلْ: جَدَّدَ بناءَ المسجدِ الأَقصى الذي بَناهُ إِبراهيمُ - عليه السلام - من قبل.