واعترضَ الفادي المفترِي على القرآنِ في إخباره عن ذلك، واعتبرَه
يَتعارضُ مع العقل.
قال: " ونحنُ نسأَل: كيفَ يتصوَّرُ عاقلٌ أَنْ تكونَ حاشيةُ
سليمانَ الملك من الجنِّ والطُّيور؟
وكيفَ يكونُ الهدهدُ أَكثرَ حكمةً وعلماً، ويتحدّى سليمانَ قَائلاً: أَحطتُ بما لم تُحِطْ به، وجئْتُكَ من سبأ بنبأ عظيم؟
وكيفَ يهجو الهدهدُ عِبادَةَ الأَوثانِ ويمتدحُ الوحدانية؟
وكيفَ يقوم الهدهدُ بدوْرِ المراسلة؟
وكيفَ يتصرفُ الهدهدُ في مملكة سليمان تَصَرُّفاً يفوقُ تَصرُّفَ
الملوكِ والوزراءِ والفلاسفة؟ ".
زعَمَ الفادي أَنَّ القرآنَ جَعَلَ حاشيةَ سليمانَ - عليه السلام - مكوَّنَةً من الجنّ والطيور، واعتبرَ هذا كلاماً لا يُصدِّقُه عاقل! وهو بهذا يُكذِّبُ قولَ الله - عز وجل -: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) .
ولم يَجعل القرآنُ حاشيةَ سليمانَ من الجِنّ والطيورِ فقط، والكلامُ في
الآيةِ عن جَيْشِ سليمان، حيثُ كانَ مُكَوَّناً من " الجِنِّ والإِنْسِ والطير ".
ولا غَرابَةَ في هذا، فاللهُ أَخْضَعَ له الجنّ، وجَعَلَهم يُنَفّذونَ أَمْرَه، واللهُ عَلَّمَه لُغَةَ الجنِّ والطيرِ! فالأمْرُ أَمْرُ الله، وليس على اللهِ شيءٌ غريب، فهو الفَعّالُ لما يريدُ، سبحانه.
وحَديثُ القرآنِ عن الهدهد لا يَدْعو للاستغراب، وليسَ فيه ما يتناقَضُ
مع العلمِ والعقل، وأسئلةُ المفترِي حولَه مردودَةٌ عليه!
فالهدهدُ طائرٌ من خَلْقِ الله، مؤمنٌ بالله، مُسَبِّحٌ بحمدِ الله، كَباقي المخلوقاتِ الِحية التي خلَقها اللهُ مُسَبّحَةً ساجدةً له.
قالَ الله - عز وجل -: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) .
وقالَ أيضاً: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) .
وهذا الهدهدُ المؤمنُ باللهِ جَعَلَ اللهُ عندَه بعضَ العلمِ والحكمة، وبعضَ