وإِنَّ حَادِثةَ سِحْرِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - دليلٌ على بشريَّتِه، وأَنه تُؤَثّرُ فيه الأَحْداثُ، ويَجري عليه قَدَرُ الله، كما أَنها تَدُل على أَنَّ السحْرَ يَضُرُّ بإِذْنِ الله.
ولا إِشكالَ في سحرِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، لأَنَّ جانبَ النبوةِ لم يَتَأَثَّرْ بالسِّحر، فهو محفوظٌ بحفظِ الله، إِنما كانَ تأثيرُه على حاسَّةِ بصرِه فقط، بحيثُ كان يتخيَّلُ أَنه فَعَلَ الشيءَ، مع أَنه لم يفعَلْه، أَما عقْلُه وقلْبُه وروحُه وأَعصابُه فقد بقيَتْ سليمة ...
وسرعانَ ما أَزالَ اللهُ عن بَصَرِه أَثرَ السحر، بعد أَنْ دَعاهُ
وتَضَرَعَ إِليه.
وقد كانَ الفادي جاهلاً عندما وَظَّفَ حادثةَ سِحْرِه - صلى الله عليه وسلم - دَليلاً على عدم نبوَّتِه، وذلك عندما تساءَلَ بخُبْث:" كيف يُصيبُ السحرُ المؤمنَ المحفوظَ بعناية الله؟! ".
إِنَّ اللهَ يَحفظُ عبادَه المؤمنين، ومع ذلك يَبْتَليهم بالضّرِّ، ويَأْذَنُ أَنْ يُصابوا
بالأَذى، وليس وقوعُ هذا بهم دليلاً على عدمِ محبَّتِه لهم، أَو تخلّيه عنهم..
وهم عندما يُصابونَ بالضُّرِّ والأَذى يلجؤون إِليه، ليكشفَ عنهم ما بهم..
وبذلك يَزدادونَ قُرْباً منه سبحانه.
وهذا ما حَصَلَ مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولكنَّ الفادي مطموسٌ على قلبه، لذلك يجهلُ هذه الحقائق والمعاني والدروسَ والدلالات! (١) .
(١) قال الله تعالى في حق موسى - عليه السلام - (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) .