قال تعالى: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١) .
وقال تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) .
وقال تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩) .
هل هذه الآيات ُ متعارضةٌ مع الآيات ِ السابقة؟
وما وَجْهُ معارضتِها لها؟
الآياتُ السابقةُ تقررُ أَنه لا يَقْدِرُ أَحَدٌ من المخلوقين على تبديلِ كلماتِ الله،
فهل تُقررُ هذه الآياتُ أَنه يمكنُ لأَحَدٍ من المخلوقين تبديلُ كلماتِ الله؟.
آيةُ سورةِ الرعدِ لا تتحدَّثُ عن آياتِ القرآن، وإِنما تتحدَّثُ عن المحوِ
والإِثباتِ والتغييرِ والتبديلِ في قَدَرِ الله، وتِجعلُ هذا بيَدِ اللهِ وحده.
فالله يَمحو ويُغيرُ ما يَشاءُ من قَدَرِه، ويُثْبِتُ ويُبْقي ما يَشاءُ من قَدَرِهِ، وله الحكمةُ في ما يَمْحو وما يُثْبِت، وعنده أُم الكتاب، وهو اللوحُ المحفوظ، الذي جعلَ فيه كُلَّ ما يريدُ فِعْلَه في هذا الكونِ، قبلَ خَلْقِ السمواتِ والأَرض.
وظَنَّ الفادي الجاهلُ أَنَّ المرادَ بأُم الكتابِ هنا القرآنُ كُلُّه، أَو سورةُ
الفاتحة، وهذا ظَنّ باطِل، فالمرادُ بأُمِّ الكتابِ هنا اللوحُ المحفوظ.
وتتحدَّثُ آيةُ سورةِ البقرةِ عن النسخ، وتجعلُه بيدِ اللهِ وحْدَه سبحانه، فإذا
نسخَ اللهُ آيةً من آياتِ القرآن، وأَلْغى حُكْمَها، فإِنه يأتي بآيةٍ أُخْرى، فيها حُكْم خيرٌ من حُكْمِ الآيةِ المنسوخة، أَو هو مثْلُه.
فاللهُ هو الذي ينسخُ ما يشاءُ من أَحكامِ القرآن، أَمّا المخلوقُ فإِنه
يَستحيلُ عليه نسخُ أَو تبديلُ القرآن، وكلُّ مسلمٍ يعتقدُ هذا عن يَقين.
وتَرُدُّ آيةُ سورةِ النحل على اتهاماتِ وإِشاعاتِ الكفار، فإذا نَسَخَ اللهُ اَيَةً
بآية، وبَدَّلَ آيةً مكانَ آية، اتهمَ الكفارُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالتلاعبِ والتحريف، وقالوا له: إِنما أَنتَ مُفْتَرٍ..
فتردّ عليهم الآيةُ بأَن النسخَ والتبديلَ لم يَصدرْ عن