تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .
لا تَنفي الآيةُ وُجوبَ دعوةِ الكفارِ للإِسلام، فإِنّ هذا واجبٌ على
الدعاةِ، إِنما تَنفي إِكراهَ الكفارِ على الإِيمان، لأَنه لا إِكراهَ في الدينِ، وبعدَ
تبليغِ الدعوةِ وإِقامةِ الحجةِ يُتْرَكُ الكفارُ وشأنهم.
هـ - أَمَرَ اللهُ المسلمين بدعوةِ الكفارِ إِلى سبيلِ اللهِ بالحكمةِ والموعظةِ
الحسنة، وأَوردَ الفادي قولَه تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) .
والآيةُ محكمة، وتوضحُ لنا أُسلوبَ الدعوة، وكيفيةَ التعاملِ مع
الآخَرين، وتقديمِ الدعوة لهم، وإِقامةِ الحجةِ عليهم.
وأَوردَ الفادي المفترِي خمسَ مَجموعاتٍ من الآياتِ، اعْتَبَرَها متناقضةً
مع المجموعاتِ السابقة، ولذلك اتهمَ القرآنَ بالتناقض.
١ - أَمَرَ اللهُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بتحريضِ المؤمنين على قِتالِ الكافرين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ..) .
واعتبرَ الفادي الآيةَ متناقضةً مع الآيةِ التي تَنْهى عن إِيذاءِ الكافرين، وهي قولُه تعالى: (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) .
ولا تَناقُضَ في الحقيقةِ بينَ النهيِ عن إِيذاءِ الكافرين، والأَمْرِ بالتَّحريضِ
على قِتالِهم، لأَنَّ الكفارَ نوعان: النهيُ عن الإِيذاءِ ينطبقُ على نوعٍ من الكفار، وهم الكفارُ المسالمونَ المحايدون، الذين لا يَتآمرونَ على المسلمين ولا يُحاربونهم.
أَمَّا الأَمْرُ بقتالِ الكفارِ فإِنه ينطبقُ على نوعٍ آخرَ من الكفار، وهم
الذين يَتَآمَرونَ على المسلمين ويُحاربونَهم، ويَطْعَنونَ في دينِهم، ويَمنعونَ
دعوتَهم، ويَفْتِنون الناسَ عن الإِسلام.