مقامِ إِبراهيمَ مُصَلّى.
فنزلَت الآية: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) .
وقلتُ: يا رسولَ الله! لو أَمرتَ نساءَك أَنْ يَحتجِبْن، فإِنه يُكَلِّمُهنَّ البَرّ
والفاجر، فنزلَتْ آيةُ الحجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ..) .
واجتمعَ نساءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه، فقلْتُ لهنَّ: عسى ربُّه إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبدِلَه أَزواجاً خيراً منكنّ.
فنزلَت الآية: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ... ) .
موافقاتُ عمرَ - رضي الله عنه - ليستْ كما نَظَرَ إِليها هذا الفادي المجرمُ الخَبيث، وإِنما هي من " أَسباب النزول "، وأَسبابُ النزولِ علْمٌ ضروريٌّ من علوم القرآن، لا بُدَّ لكلِّ ناظرٍ في القرآنِ منْ أَنْ يتعلَّمَه ويَفْهَمه، فهناك بعضُ آياتِ القرآنِ نزلَتْ بعد حادثةٍ أَو مشكلةٍ وقعَتْ بين الصحابة.
وهذا من حيويةِ القرآنِ وأَثَره في المسلمين، وحَلِّه لمشكلاتِهم، وهذه مزيةٌ له، وليستْ مَطْعَناً يوجَّهُ له.
وأَشارَ إِليها قولُه تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) .
وموافقاتُ عمرَ - رضي الله عنه - دَليلٌ على فطنتِه وذكائِه، وعلى حُسْنِ تَفكيرِه ونَظَرِه، وعلى حُضورِ ذِهْنِه واهتمامِه بأَحوالِ المسلمين، فهو يُفكرُ ويَنظرُ ويَجتهدُ، ويَقترحُ ويَنصحُ ويُشير، وشاءَ اللهُ الحكيمُ أَنْ يُنزلَ الآياتِ الثلاث - الصلاةِ في مقامِ إِبراهيم، وأَمْرِ نساءِ النبيِّ بالحجاب، وتهديدِهنَّ إِنْ لم يتوقَّفْن عن الغيرة - بعدَ ثلاثةِ اقتراحاتٍ لعمر، وبذلك ويكونُ التفاعلُ والتأَثُّرُ بالآياتِ أكثر، ويكونُ ثناءً على عمرَ العبقريِّ - رضي الله عنه -..
واللهُ حكيم في ما كانَ يُنْزِلُه من آياتِ القرآن، يَختارُ بحكمتِه سبحانه الوقْتَ المناسب لإِنزالِ الآية أَو الآيات، ويَجعلُ ذلك الإِنزالَ مُتوافِقاً مع حالةِ المسلمين، أَوْ حَلّاً لمشكلة، أَو علاجاً لحادِثَة.
ولكنَّ الجاهلَ المفتريَ يَجعلُ مزيةَ القرآنِ مَطْعناً فيه، ويَعتبرُ مَنْقَبَتَه دَليلاً
على اتِّهامه، والسببُ هو تَحامُلُه وحِقْدُه وسَفَهُه وعُدوانيتُه!!.