والذي لا يَعرفُهُ الراسخون في العلمِ من المتشابهاتِ هو كيفيتُها الواقعيةُ
العمليةُ المادية، لأَنها غيبية غيرُ مُدْرَكَةٍ بالعقل، والعقلُ عاجز عن تكييفِها،
فلذلك يَكِلونَ كيفيتَها إِلى الله، ويَقولون: آمَنّا بالقرآن، كُلّ قسمَيْه من المحْكَمِ والمتشابه من عندِ رَبِّنا.
والفادي لجهْلِه وغَبائِه وصِغَرِ عَقْلِه لم يُفَرِّق بين معرفةِ مَعاني الآيات ِ
المتشابهات الممكِنة، التي تتمّ على أَيدي الراسخين في العلم، وبينَ تَكييفِها
الواقعيّ العمليِّ الذي لا يُمكنُ أَنْ تَقومَ به عقولُ الراسخين في العلم، فيَكِلونَ
هذا التَّكييفَ إِلى الله!!.
ووجودُ الآياتِ المتشابهاتِ القليلةِ في القرآن، تأكيد على بلاغةِ القرآن
وسُمُوِّهِ وإحْكَامِهِ وإِعجازِهِ، وليس نَقْصاً في بلاغتِهِ وإِحكامِهِ، كما ادَّعى
الجاهلُ، والقرآنُ يَدعو الراسخينَ في العلم من أُولي الأَلباب إِلى إِمعانِ النظرِ
في الآياتِ المتشابهات، وإِطالةِ الوقفةِ أَمامَها، وحَمْلِها على أُصولِها
المحكَمات، لإِزالةِ اللَّبس الخارجيِّ عنها، وإِحسانِ فَهْمِها، وتَقديمِها
للآخرين.
وكان الفادي الجاهلُ غبيّاً عندما طَرَحَ سؤالَه في آخرِ كلامِه: " فهل
يَحتملُ القرآنُ الامتحان؟ ".
نقولُ: نعم.
القرآنُ يَحتملُ الامتحان.
وهو يَتَحَدّى الكافرين، ويَدْعوهم إِلى امتحانِه، ويحثُّهم على امتحانِه، ويُقررُ لهم أَنهم لن يَجدوا فيه خَطَأً أَو اختلافاً أَو تفاوتاً أَو تناقضاً أَو اضطراباً، ويَتَحَدّاهم باستخراجِ ذلك منه.
وأَوضحُ دعوةٍ قرآنيةٍ لهم في قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) .
وامتحنَ الكفارُ القرآن، ونَظَروا فيه بهدفِ الوقوفِ على الخطأ والاختلافِ
والتعارضِ والتناقض، واستمرَّ امتحانُهم ونَظَرُهم خمسةَ عشر قرناً، وقَدَّموا في ذلك كلاماً تافِهاً لا وَزْنَ ولا قيمةَ له، مثلَ هذا الكلامِ الذي قَدَّمَه هذا الفادي