ومَن الذي قالَ: إِنَّ القرآنَ ليس معجزة؟
إِنَّ المعجزةَ هي الأَمْرُ الخارقُ للعادة، يُجريهِ اللهُ على يَدِ النبيّ، وما ذَكَرَهُ من إِحياءِ الميتِ معجزةٌ، لكنَّها ليستْ خاصةً به.
إِنَّ المعجزاتِ نوعان:
النوعُ الأَول: معجزات ماديَّة، سالمةٌ من المعارضة، بحيثُ لا يَستطيعُ
الخصْمُ نَقْضَها ومعارضَتَها وإبطالَها، مثلُ عصا موسى - عليه السلام -، التي جعلَها اللهُ حَيَّةً تَسعى، والْتَقمتْ كُلَّ ما قَدَّمَ السحرةُ من حِبالٍ وعِصِي، ومثلُ النارِ التي جَعَلَها اللهُ بَرْداً وسلاماً على إِبراهيم - عليه السلام -، ومثْلُ إِحياءِ الميت الذي تَم على يَدِ عيسى - عليه السلام -.
النوعُ الثاني: معجزاتٌ معنويةٌ غيرُ محسوسةٍ ولا ملموسة، مثلُ القرآنِ
الذي جَعَلَهُ اللهُ آيةً بيانيةً عقليةً للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو معجزةٌ عقليةٌ يُخاطبُ اللهُ بها العقلَ الإِنساني، ويُقَدمُ الأَدلةَ العقليةَ العديدةَ على أَنه من عندِ الله، وشاءَ اللهُ الحكيمُ أَنْ تكونَ معجزةُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - الأُولى عقليةً بيانية، لأَنَ رسالتَه مستمرة حتى قيامِ الساعة، فلا نبيَّ بعده.
فحصْرُ الفادي المجرمِ المعجزاتِ بالنوعِ الأَوَّلِ دَليلُ جهْلِه وغبائِه.
ولقد كانَ لرسولِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - معجزاتٌ ماديةٌ ثانوية، مثلُ تكثيرِ الطعامِ والماءِ بين يديه، وتسبيحِ الحصى بين يدَيْه، ومعجزةِ الإِسراءِ والمعراج.
وعندما طلبَ المشركونَ من الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - تقديمَ معجزات مادية، كتلك التي أَتى بها الأَنبياءُ السابقون، رَدَّ اللهُ عليهم بلَفْتِ نظرِهم إِلى معجزتِه الأَهَم التي هي القرآن.
قالَ تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) .
ويُغالطُ الفادي المجرمُ، ويُخالفُ المنطقَ والموضوعيةَ، عندما يَدعي أَنَّ
أَشعارَ العربِ أَفصحُ من القرآن، وحتى مقاماتُ الحريري أَفصحُ من القرآن،