والراجحُ أَنَّ الأَحرفَ السبعةَ موجودةٌ في القرآن، لم يُنسخْ ولم يُرفعْ منها
شيء، وأَنَّ رسمَ المصحف زمنَ عثمانَ - رضي الله عنه - احْتَواها وضَمَّها، وهذه الأَحرفُ السبعةُ آلَتْ إِلى القراءاتِ العشرِ الصحيحة، التي رَصَدَها ولسَجَّلَها العلماء، وقرؤُوا بها القرآن.
وبهذا نَعرفُ أَنَّ الأَحرفَ السبعةَ والقراءاتِ العشرَ أَنزلَها اللهُ على
رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وأَذِنَ للمسلمين القراءةَ بها، فهي كلامُ الله وليسَ تأليفَ المسلمين، وأَنَ رسمَ المصحفِ العثمانيِّ حوى وشملَ الأَحرفَ السبعةَ والقراءاتِ العشر، وأَنه يَجوزُ القراءةُ بأَي حرفٍ منها أَو أَيةِ قراءةٍ منها، وأَنَّ معظمَ كلماتِ القرآنِ لا تُقرأُ إِلّا على حرفٍ واحدٍ بقراءةٍ واحدة، وأَنها لا اختلافَ ولا تَعارضَ بينها، وأَنها تتكاملُ للدلالةِ على المعنى القرآني.
ونوردُ مثالاً على هذه القراءاتِ والأَحرفِ من سورةِ الفرقان لتتضحَ
المسألة.
قالَ تعالى: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (٢٥) .
في كُلٍّ من (تَشَقَّقُ) و (نُزِّلَ) قراءتان:
في " تَشَقَّقُ " قراءتان:
الأُولى: قراءةُ عاصم وحمزة والكسائي وخلف وأَبي عمرو: " تَشَقَّقُ "
بتَخفيفِ التاءِ والشينِ.
على أَنه فعلٌ مضارع، حُذِفَتْ منه التاءُ الأُولى، لأَنَّ
أَصْلَه: تَتَشَقَّقُ، وماضيه: تَشَقَّقَ.
والمعنى: تَتَشَقَّقُ السماءُ بالغمام.
الثانية: قراءةُ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب: " تَشَّقَّقُ "
بتشديدِ الشين، على إِدغامِ التاءِ الثانيةِ في الشّين، لأَنَّ أَصْلَه: تَتَشَقَّقُ.
والقراءتانِ متقاربتانِ متكاملتان ولَيْستا مختلفتَيْن أَو متناقضتين، فهما
تَتفقان على أَنَ الفعلَ مضارع: " تَتَشَقَّقُ "، على وزْن " تَتَفَعَّلُ ".
لكنَّ القراءةَ الأُولى حَذَفت التاءَ الأُولى للتخفيف، والقراءةُ الثانيةُ أَدغمت التاءَ الثانيةَ في الشينِ للتخفيف أَيضاً.