مُسْتَعْبِراً، فقال: إِني أستأذنْتُ ربّي في زيارةِ قبرِ أُمّي فأذِنَ لي، واسْتَاذَنْتُه في
الاستغفارِ فلم يأَذَنْ لي، وأَنزلَ عَلَى الآيتَيْن.. ".
صحيحٌ أَنَّ هذا الكلامَ في تفسير البيضاوي، لكن ليس مُسَلَّماً، وليس
كُلُّه صحيحاً.
فهذه الآية ُ من سورةِ التوبة، وهي متأخرةٌ في النزول، حيثُ كان
نزولُها في السنةِ التاسعةِ من الهجرة، وكانتْ وَفاةُ أَبي طالِب في السنةِ الثامنة
من البعثة، قبلَ الهجرةِ بخمسِ سنوات، أَيْ أَنّ أَبا طالب تُوفىَ قبل نزولِ الآيةِ
بأكثرَ من أَربعَ عشرةَ سنة! فكيف يكونُ نزولُها في وفاته؟!.
إِنَ الذي صَحَّ في أبي طالب هو نزولُ آيةٍ مكيةٍ فيه.
روى البخاري ومسلم، عن سعيد بنِ المسيبِ عن أَبيه قال: لما حَضَرَتْ أَبا طالب الوفاة، جاءَه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فوجَدَ عندَه أَبا جهل، وعَبدَ الله بن أَبى أُمية بن المغيرة.
فقالَ له: أَيْ عَمّ! قُلْ: لا إِله إِلا الله، كلمةً أُحاجّ لك بها عندَ الله!.
فقالَ له أَبو جهل وعبدُ الله بن أَبي أُمية: أَترغبُ عن مِلَّة عبدِ المطلب؟!.
فلم يَزَلْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعرضُها عليه، ويُعيدانهِ بتلك المقالة، حتى قالَ أَبو طالب آخرَ ما كَلَّمهم: على مِلَّةِ عبدِ المطلب.
وأَبى أَنْ يقول: لا إِله إِلّا الله.
فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) .
أَمّا سببُ نُزولِ آيتي سورةِ التوبة (١١٣ - ١١٤) فقد رَواهُ النسائي والترمذي عن عَلِيّ بن أَبي طالب - رضي الله عنه -، قال: سمعْتُ رَجُلاً يَستغفرُ لأَبَويْه وهما مشركان، فقلْتُ: تَستغفرُ لأَبويْك وهما مُشْركان؟
فقال: أَليس قد استغفرَ إِبراهيمُ لأَبيه وهو مشرك؟
قال عليّ: فذكرتُ ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) .
أَمّا أَبوا رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقد ماتا على غيرِ الإِسْلام، وصَحَّ أَنَ