للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان المشركونَ حريصين على فتنةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليتنازَلَ عن الحَق ويَسيرَ معهم، وعَرَضوا عليه عُروضاً مغرية.

ومن أَعجبِ وأَطرف ما عَرضوه أنهم قالُوا له: يا محمد أَنتَ على حَقّ، ونحنُ على حَقّ، فنعبُدُ نحن ربَّك يوماً، على أَنْ تعبدَ أَنتَ آلهتنا يوماً!..

فأنزلَ اللهُ عليه سورة الكافرون: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦) .

واجَهَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - مساوماتِ وإِغراءاتِ المشركين بالرفضِ، والثباتِ على الحق، وقالَ قولته المشهورة: " واللهِ يا عَمّ لو وَضَعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في شِمالي، على أَنْ أَتركَ هذا الأَمْرَ ما تركتُه، حتى يُظهرَهُ الله، أَو أَهلكَ دونَه ".

وقد فوضت قريشٌ أَحَدَ زعمائِها " الوليدَ بنَ المغيرة " ليُفَاوضَ

رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ويُعطِيَه ما شاءَ من الدنيا، على أَنْ يَتَخَلّى عن رسالتِه ودعوتِه، فعرضَ عليه الوليدُ ما شاء من المالِ أَو الجاهِ والمركز، بأَنْ يكونَ زعيماً عليهم، أَو الزواج أَو العلاج، وهم مستعدّودن أَنْ يُعطوهُ ما أَرادَ، مقابلَ أَنْ يَسكتَ وَيَتوقَّفَ عن ذَمِّ آلهتِهم..

فردَّ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - على عروضِه بأَنْ تَلا عليه

آياتٍ من سورةِ فصلت..

فقام الوليدُ يائساً..

وقد امتنَّ اللهُ على رسولِه - صلى الله عليه وسلم - بأَنه هو الذي ثَبَّتَه على الحَق، وأَعانَه على رفْضِ مساوماتِ المشركين.

قال تعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦) .

وأَمْرُ اللهِ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بالتَّقْوى والثباتِ وتَبليغِ الدعوةِ لا يدلُّ على أَنَّهُ قَصَّرَ في ذلك، إِنما هو لمزيد توكيد، ولاستمرارِ التذكيرِ بالحقيقة، والذكرى تنفعُ المؤمنين، والتأكيدُ على الحقيقةِ لرسوخِها واستقرارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>