إِنَّ الفادي جاهلٌ غَبيٌّ، لا يَعرِفُ معنى سببِ النزول، ولذلك وَقَعَ في
هذا الخطأ!
إِنَّ التعريفَ المعتمدَ لسببِ النزولِ هو: ما نَزَلَتِ الآيةُ تُبَيِّنُ حُكْمَه
عندَ نزولِها.
أَما آيةُ سورةِ الأَنعام المذكورةُ فإِنها نزلَتْ لتثبيتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على الحقّ، وللرّدّ على طلبِ المشركينَ الغريب.
وخَيْرُ مَنْ يُخبرُ عن سببِ نزولِها أَحَدُ الذين أُنزلَتْ فيهم، وهو سَعْدُ بنُ أَبي وقاص - رضي الله عنه -.
روى مسلمٌ عن سعدِ بن أَبي وقاص - رضي الله عنه -، قال: كُنّا معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر.
فقالَ المشركون للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اطردْ هؤلاء، لا يَجْتَرِئونَ علينا! قَال: وكنتُ أنا وابنُ مسعود، ورجلٌ من هُذَيْل، وبلالٌ، ورَجُلانِ لستُ أُسَمّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما شاءَ اللهُ أَنْ يَقَع، فأنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) .
تدلُّ الروايةُ على أَنَّ المشركينَ أَرادوا إبعادَ الفقراءِ والعبيدِ عن مجلسِ
رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وطلبوا ذلك منه، لكنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لم يَستجبْ لهم، ولم يَطردْ هؤلاءِ الفقراء، كما ادَّعى الفادي الكاذبُ المفترِي..
وإِنزالُ الآية المذكورةِ عليه، وأَمْرُهُ أَنْ يَبقى مع هؤلاء الفقراء، لا يدلُّ على أَنه طَرَدَهم، أَو اتفقَ مع المشركين على طردهم، أَو فَكَّرَ في طَرْدِهم، والآيةُ توجيهٌ وتذكيرٌ للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وتلتقي عدةُ آياتٍ على تَقريرِ وتأكيدِ وترسيخِ هذه الحقيقة، منها قوله تعالى:
(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..) .
وقوله تعالى (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..) .
وقوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨) .