حَيّاً، وعادَ إِلى مملكتِه ليُواصِلَ حُكْمَها!! وهذا فَهْمٌ خاطئٌ للآية.
تُقَرّرُ الآيةُ غَرَق فرعونَ وموتَه، وتَصِفُ اللحظاتِ الأَخيرةَ من عمرِ
فرعون، قبلَ خُروجِ روحِه تحتَ الماء.
ومعنى (فلما أدركه الغرق) : لما أَحاطَ به الغَرَق من كلِّ جانب، وأَتاهُ
من كُلِّ مكان، من تحتِه وفوقِه، وعن يَمينِه وشِمالِه، ورأى الموتَ بعينَيْه،
وأَيْقَنَ بالهلاك..
عند ذلك أَعلنَ إِسلامه وإِيمانَه بالله، وصَرَّحَ قائلاً: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) .
ومن المعلومِ أَنَّ الإِيمانَ عند " الغرغرة " قُبيلَ خُروجِ الروحِ غيرُ مقبول،
ولذلك رَدَّ عليه مَلَكُ الموتِ المكلَّفُ بقبضِ روحِه قائلاً: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) ؟
وهذا معناهُ أَنَ إِيمانَ فرعونَ لم يَقْبَلْه الله.
وقُبيلَ قبض روحِ فرعون وهو تحتَ الماءِ قالَ له المَلَك: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) .
وليس معنى جملة: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) : اليومَ ننقذكَ من الغَرَق،
ونخرجُك حيّاً من تحتِ الماء.
إِنَّ مَعْناها: عندما تَخرجُ روحُك، ويُصبحُ جسمُك جُثَّةً هامدة، لن نتركَ
بَدَنَكَ يَسقطُ في الماءِ إِلى قاع البحر، ولَنْ نَجعلَ بَدَنَك طَعاماً لحيتانِ البحرِ
وأَسْماكِه - وبالذاتِ سمكُ القرشِ المفترسِ الذي يملأُ البحرَ الأَحمر - وإِنما
سَنُنَجّي بَدَنَك الهامِدَ الذي خرجَتْ منه الروح، وسنأمُرُ الحيتانَ أَن لا تَأكُلَه،
وسنَأْمُرُ الماءَ أَنْ يحملَك، وسنأمُرُ الموجَ أَنْ يُلْقِيَكَ على الشاطئ، وسيكونُ
بَدَنُك ناجياً هامداً، وسيكونُ مُلْقى على الشاطئ، وسيكونُ آيةً لِمَنْ خَلْفَك، وهم الأَحياءُ من جنودِك وقومِك، فعندما يُشاهدونَ بَدَنَكَ جثةً هامدة سيَعرفونَ أَنكَ لَسْتَ إِلهاً كما زَعَمْتَ، وإِنما أَنْتَ بَشَرٌ مخلوفٌ ضعيف، والأَصْلُ أَنْ يَعْتَبِروا ويَتَّعِظوا بذلك!.