وقوله:"من جاء منكم الجمعة فليغتسل"(١)، ثم قال عقبهما ما نصه: قال محمد بن إدريس: وكأن قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غسل يوم الجمعة واجب، وأمره بالغسل يحتمل معنيين، الظاهر منهما أنه واجب، فلا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل كما لا يجزئ في طهارة الجنب غير الغسل، ويحتمل أنه واجب في الاختيار وكريم الأخلاق والنظافة. هذا لفظه بحروفه ومن كتاب "الرسالة" نقلت، وهو من الكتب الجديدة فإنه من رواية الربيع، ثم استدل الشافعي للاحتمال الثاني بقصة عثمان لما دخل وعمر يخطب، وأخبر بأنه لم يزد على الوضوء، ولم يأمره بالرجوع إلى الغسل.
وقد استفدنا من كلام الشافعي المتقدم أن الغسل شرط لصحة الجمعة فاعلمه، وهذا الذي نقلناه مذكور قبيل باب النهى عن معنى دل عليه معنى من حديث غيره، وهو نحو نصف الكتاب، ورأيت أيضًا في شرح عتبة بن شريح لأحد تلامذة القفال حكاية قولين فيه، وأن القديم هو الوجوب فقال قبل التيمم بنحو صفحة ما نصه: الغسل للجمعة عندنا سنة مؤكدة.
وقال بعض أهل الحديث: واجب، وهو قوله القديم، وقول مالك. هذه عبارته، وتاريخ فراغ النسخة التي نقلت منها سنة سبع عشرة وخمسمائة.
فتلخص أن الوجوب منصوص عليه في القديم والجديد معًا.
الأمر الثاني: كيف يستقيم أن يكون الغسل من غسل الميت واجبًا على القديم مع كون غسل الجمعة الذي هو سنة آكد منه على هذا القول أيضًا؟ وهذا السؤال متجه على "الروضة".
وأما الرافعي فإنه لما استشعر اختلافًا في هذا الكلام احتال في الشرحين على دفعه بإثبات قولين في القديم، وسببه عدم اطلاعه على الخلاف الذي نقلناه في وجوب غسل الجمعة، وبعد ثبوته استقام الكلام.
قوله من "زياداته": الصواب الجزم بترجيح غسل الجمعة لكثرة الأخبار
(١) أخرجه البخاري (٨٣٧) ومسلم (٨٤٤) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.