قوله: ومنها اللزوم في الحال سواء أضافه إلى ما بعد الموت أم لم يضفه وسواء سلمه أم لم يسلمه. انتهى لفظه بحروفه.
وتعبيره بقوله "سواء" أضافه إلى ما بعد الموت تعبير فاسد، فإن مدلول إضافة الوقف إلى ما بعد الموت أن يقول: وقفته بعد موتي، والوقف لا يحصل بهذا في الحال فضلًا عن كونه لازمًا، بل قالوا: إنه يكون وصية بالوقف، وقد أشار الرافعي بعد ذلك إلى الذي احترز عنه فقال: عقبه وعن أبي حنيفة أن الوقف كالعارية يرجع عنه متى شاء إلا أن يوصي به فيلزم بعد الموت أو يقضي به قاض، وعن أحمد رواية أنه لا يلزم إلا بالتسليم.
هذا لفظه، وحاصله أن الوقف غير لازم، فإن أوصى الواقف باستمراره لزم بموته كسائر الوصايا ولا شك أن الرافعي أشار إلى هذا الكلام لكن عبارته لا تقيده لما قلناه من أن مدلول إضافته إلى ما بعد الموت أن يقول: وقفته بعد موتي، وبتقدير أن يكون المراد هو الوصية فلا يصح أيضًا لأن أبا حنيفة لا يقول بلزومه في الحال أصلًا سواء أوصى به أو لم يوص به فكيف يجيء الاحتراز؟ .
وقد حذف النووي من "الروضة" ذكر هذه المذاهب التي أشار إليها الرافعي بالاحتراز فصار أبلغ في الالتباس من كلام الرافعي.
وقد يجاب عن كلام الرافعي بجواب آخر فيقال: مراده ما إذا أنجز الوقف ولكن علق الإعطاء إلى الموقوف عليه بالموت، فإن صاحب "البيان" قد ذكر في هذا الباب كلاما حاصله جواز مثل ذلك هنا إلحاقا بالوكالة، فإن تعليقها ممتنع وأما تنجيزها وتعليق التصرف فجائز.