لكن هل يتعدى ذلك إلى كل ما يأمرهم به من الصدقة وغيرها أم يختص ذلك بالصوم؟ فيه نظر.
قوله: وفي إخراج البهائم قصدًا وجهان ذكرهما الإمام أصحهما: أنه يستحب إخراجها لما روى أنها تستسقى، وعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:"لولا رجال ركع وصبيان رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبًا"(١) انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ادعاه من حكاية الإمام لوجهين ليس كذلك، بل إنما حكاهما قولين صريحين، فإنه عبر بقوله: وفي استحباب إخراج البهائم تردد في النص. وكذا عبر به أيضًا الغزالي في "البسيط"، ولا شك أن الشافعي قد نص في "الأم" وغيرها على كراهة إخراجهم كما سيأتي إيضاحه.
ونقل القفال عن النص أنه يستحب إخراجهم فتبعه على ما نقله تلميذه القاضي الحسين، ثم إمام الحرمين على عادته، وهذا النص غير معروف، حتى أن الروياني في "البحر" لما نقله عنه أنكره مع أن الروياني مشهور بين أهل المذهب بكثرة الاطلاع على نصوص الشافعي حتى حكوا عنه أنه قال: لو ضاعت نصوص الشافعي لأمليتها من صدري.
والقفال -رحمه الله- وكثير من أنظاره مع جلالة قدرهم لم يكونوا في النصوص بهذه المثابة إلا صاحب "التقريب" فإنه أعظم من الروياني في ذلك كما تقدم إيضاحه في مقدمة الكتاب.
(١) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٢٢/ ٣٠٩) حديث (٧٨٥) و"الأوسط" (٦٥٣٩)، والبيهقي في "الشعب" (٩٨٢٠) وفي "الكبرى" (٦١٨٤) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٩٦٥) وابن عدي في "الكامل" (٤/ ٣١٤) من حديث مالك بن عبيدة الدئلي عن أبيه عن جده، وسنده ضعيف، ضعفه الحافظ، والألباني -رحمهما الله تعالى-.