أيضًا وهو مخالف لنقل الأئمة فإنهم قالوا: إن قال ذلك قبل مضى شئ من ليالي العشر طلقت بانقضاء ليالي العشر، وإن قاله بعد مضى بعض لياليها لم تطلق إلى مضى سنة. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ادعاه من أنك لا تكاد تجد احتمال ذلك في شئ من الكتب غريب؛ ففي "التنبيه" أنه يطلب ليلة القدر في جميع شهر رمضان، وذلك يدل على أنها في جميع الشهر.
وذكر مثله المحاملي في "المقنع"، وبالغ في كتابه المسمى "التجريد" فنسبه إلى الشافعي فقال: مذهب الشافعي أن ليلة القدر تلتمس في جميع شهر رمضان وآكده العشر الأواخر، وآكده ليالي الوتر من العشر الأواخر. هذا لفظه، ونقله عنه النووي في "شرح المهذب" إلا أنه جزم في "المجموع" بأنها في العشر الأواخر كما قاله غيره.
وقال الإمام: ذكر صاحب "التقريب" في كتابه ترددًا في أنه يجوز أن تكون في النصف الأخير من رمضان، وهذا متروك عليه ولا نعرف له متعلقًا. انتهى.
قلت: وقد روى أبو داود: هي في جميع رمضان (١)، وروي أيضًا: اطلبوها ليلة سبع عشر.
وهما يدلان للمقالتين السابقتين؛ وبذلك يصير في المسألة ثلاثة أوجه.
الأمر الثاني: أن ما أنكره على "الوسيط" في نقله عن الشافعي قد علمت صحته بما نقلناه عن المحاملي.
(١) أخرجه أبو داود (١٣٨٧) مرفوعًا بسند ضعيف، والصحيح موقوفًا.