الثالث: أن ما قاله من إيجاب الإحرام منه قد تبعه عليه أيضًا في "الروضة"، وليس كذلك بل إذا قلنا بأن العود بعد الإحرام مسقط للدم -وهو الصحيح- فأحرم من موضعه ثم عاد فإنه يكون جائز بلا شك، وصرح به غيره؛ ويدل عليه تعليله بأن المقصود قطع المسافة محرمًا ويؤيده أيضًا أنهم لما أوجبوا على المكي الخروج إلى أدنى الحل عند إرادة الإحرام بالعمرة صححوا أنه يجوز له أن يحرم من مكة ثم يخرج بعد أن بنوا الخلاف على سقوط الدم، بل صرح المحاملي في "المجموع" والجرجاني في "التحرير" وغيرهما باستحباب ذلك للمكي لأنه شبيه ثم أحرم قبل الميقات.
الأمر الرابع: أن هذا التعبير يوهم بحتم العود إلى الميقات الذي أساء بمجاوزته، وليس كذلك بل لو عاد إلى مثل مسافة من ميقات آخر جاز. صرح به إمام الحرمين في الكلام على محاذاة الميقاتين؛ ويؤيده أن المفسد لما أوجبوا عليه القضاء من الميقات الذي أحرم منه في الأداء قالوا إنه يجوز له تركه والإحرام من مثل مسافته من موضع آخر حتى ادعى في "الروضة" عدم الخلاف فيه.
قوله: فإن كان له علة كما لو خاف الانقطاع عن الرفعة أو كان الطريق مخوفًا أو الوقت ضيقا لم يعد.
فيه أمران:
أحدهما: أن كلامه صريح في أن الانقطاع مع الأمن عذر وسببه مشقة الاستنجائين، وقد تقدم الكلام عليه في التيمم وغيره.
الثاني: أن إطلاقهم يقتضي وجوب العود على الماشي إذا لم يحصل له ضرر، وهو محتمل لكونه قد تعدى، والمتجه أن يقال إن كان على دون مسافة القصر وجب وإلا فلا كما قلنا في الحج ماشيًا.