رقيق القلب بحيث يبكي إذا سمع بيتًا أو تفكر في نفسه ساعة، أو خاض في علوم الصوفية وأرباب الأحوال، ولم يكن يستصغر أحدًا حتى يسمع كلامه، فإن أصاب استفاد منه وعزى الفائدة إليه، وإن كان صغير السن.
وإن لم يرض كلامه بين زيفه ولم يحابه وإن كان أبًا، وبقى على ما ذكرناه قريبًا من ثلاثين سنة إلى أن مرض باليرقان وبقى به أيامًا وبرئ منه وعاد إلى الدرس والمجلس وحصل السرور للخواص والعوام، فلم يكن إلا يسير حتى عاوده المرض وغلبت عليه الحرارة فحمل في مَحَفّة إلى قرية من قرى نيسابور لاعتدال هوائها وخفة مائها، فتوفي بها ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة عن تسع وخمسين سنة -بتاء ثم سين-.
قاله ابن خلكان في "تاريخه"، وصلى عليه ابنه الإمام أَبو القاسم بعد جهد جهيدٍ، ودفن بداره، ثم نقل بعد سنين فدفن بجانب والده، وكان له نحو أربعمائة تلميذ فكسروا محابرهم وأقلامهم، وأقاموا كذلك حولًا وكسروا أيضا منبره، وقع لي من تصانيفه الفقهية كتاب "الأساليب في الخلاف" وهو كتاب جليل، وبعض "مختصر النهاية" وفيه أمور زائدة على "النهاية" ولم يتفق على إتمامه، وكتاب "الغياثي" وهو كتاب مفيد يقرب في المعنى من "الأحكام السلطانية"، وقع لي بخط تلميذه الخواري، و"الرسالة النظامية" رضي الله عنه وأرضاه.