الفقهاء بطريقة الأصوليين، فإنه نفي التكليف عن السكران ومع ذلك حكم بصحة تصرفاته وهما طريقان لا يمكن الجمع بينهما. وليت شعري ما الذي فهمه من معنى التكليف حتى أنه نفاه عن السكران مع القول بتنفيذ تصرفاته سواء كانت له أو عليه ومؤاخذته بما صدر منه حتى تقام عليه الحدود والتعازير وتوجب عليه الكفارات، ويحكم بالطلاق والعتاق إلى غير ذلك، نعم إبطال الصلاة ونحوها كفقدان النية وهو واضح.
الأمر الثاني: أن الشافعي قد نص على أنه مكلف على عكس ما قاله النووي، كذا نقله عنه الرويانى في كتاب الصلاة، ورأيته أيضًا منصوصًا عليه في "الأم" في باب طلاق السكران فقال ما نصه: فإن قال قائل فهذا مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله قيل المريض مأجور ويكفر عنه بالمرض مرفوع عنه القلم إنها ذهب عقله، وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب. انتهى كلامه.
واعلم أن هذا النص يدل على فائدة حسنة فلنذكرها وإن كانت أجنبية عما نحن فيه ثم نعود إلى ما نحن فيه، فنقول: اعلم أن الشيخ عز الدين قد ذكر في "القواعد الكبرى" أن المصائب ليس فيها بنفسها أجر.
فقال: وظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور على مصيبته وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب بمباشرة أو تسبب قال الله تعالى: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(١) والمصائب ليست منها، بل إن صبر فله أجر الصابرين، وإن رضى فله أجر الراضيين. هذا كلامه، والنص المتقدم عن الشافعي يرد عليه فإنه حكم بأجره مع زوال عقله، ومن المعلوم انتفاء الصبر والرضى في تلك الحالة.
الأمر الثالث: أن ما ادعاه من إيضاحه في كتاب الطلاق ليس الأمر فيه