وحينئذ فلابد من ترجيح أحد هذين الموضعين فرجحنا بنص الشافعي، فلتكن الفتوى على مراعاة المعنى.
وأما نظرهم إلى أن البيع مختص بالأعيان فيجري عليه هنا حكم الأعيان ففاسد، لأنه يلزم منه بطلان العقد بالكلية، وليس كذلك، فثبت رجحان كونه سلمًا لمقتضى الترجيح في الإجارة، ونص الشافعي عليه، وكثرة القائلين به وفساد دليل مقابله.
لا جرم أن الرافعي لم يصرح هنا بترجيح لا في "الكبير" ولا في "الصغير"، فإنه عبر بقوله: ورجح أي على البناء للمفعول.
نعم ذكر في "المحرر" أنه أقرب، فصرح النووي بتصحيحه في "الروضة" و"المنهاج" جريًا على عادته.
الأمر الثاني: أن محل انعقاده بيعًا إذا اقتصر على لفظ الشراء أو البيع، فإن ضم إليه لفظ السلم فقال مثلًا: بعتك أردب قمح في ذمتي سلمًا بكذا، أو قال: اشتريت منك أردبًا في ذمتك سلمًا بكذا، فإنه يكون سلمًا.
كذا جزم به الرافعي في الكلام على تفريق الصفقة في اختلاف الأحكام.
قوله: ولو قال: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي.
فإن جعلناه سلمًا وجب تعيين الدراهم، وتسليمها في المجلس، وإن جعلناه بيعًا لم يجب. انتهى لفظه بحروفه.
وتابعه عليه النووي في "الروضة"، ومقتضاه أنه لا يجب التعيين ولا التسليم تفريعًا على الوجه المصحح، وهو جعله بيعًا مراعاة للمعنى.
فأما ما قاله في التسليم فمسلم، وأما التعيين فلا بل لابد منه، وإلا لصار بيع الحالي بالحالي أي بيع الدَّين بالدَّين، وقد أجمعوا على منعه للحديث الصحيح.