[وهو صريح في مخالفة المذكور هنا وذكر في "الروضة"(١) من "زوائده" في آخر الباب الثالث من أبواب الإقرار ما يوافقه أيضًا فقال: قال القاضي أبو الطيب في آخر الغصب: لو باع دارًا ثم ادعى أنها كانت لغيره باعها بغير إذنه، وهي ملكه إلى الآن، وكذبه المشتري، وأراد أن يقيم بينة بذلك، فإن قال: بعتك ملكي أو داري، أو نحو ذلك مما يقتضي أنها ملكه لم تسمع دعواه، وإلا سمعت. هذا كلامه.
الأمر الثاني: أن ما قاله في المتبايعين من كونه لا يتصور منهما إقامة هذه البينة، إن عنى به أنه يستحيل منهما شرعًا طلب أداء الشهادة، فهو محال، بل طلبه جائز مثاب عليه لما يترتب عليه من الحرية، وإن كان عاصيًا أو لا يبيعه.
وإن عنى به أنه يمنع صحة الشهادة، فباطل أيضًا قطعًا، لأن ما تسمع فيه شهادة الحسبة يكون وجود الدعوى فيه كعدمها، وإن أراد أن المحال عليه إذا أراد أن يدفع عنه طلب المحتال بهذه البينة، فإنه لا يقيده، فإرادته به صحيحة، غير أن هذا اللفظ لا إشعار له بذلك، ثم إنه يبقي السؤال في جانب المحيل، فيقال بأنه كيف يستحيل إقامة البينة على الحرية عند إنكار المشتري مع أنه لا يثبت له بإقامتها حقًا، بل هو معترف للمحتال بأن حقه باق عليه.
الأمر الثالث: أن ما قاله في المتبايعين بتقدير صحته باقي أيضًا في العبد، لأنه إن لم يعترف بالرق حال البيع، بل سكت فالقول قوله بلا بينة وهو واضح.
فإن اعترف بها كان مكذبًا لبنيته بالصريح، وهو أقوي من التكذيب الموجود في المتبايعين، وهو الدخول في البيع، وما يتخيل من أن الحرية حق لله تعالى، فتسمع فيها بينة العبد مع التكذيب، فهو بعينه موجود في المتبايعين.