باب الغصب، بهذا التفصيل ناقلًا لها عن الفتاوى المذكورة هناك فراجعه.
واعلم أن كلام الغزالي في هذه المسألة يحتاج إلى البحث عنه من وجوه قد تعرض لجميعها صاحب "التتمة" فقال في الباب الأول من كتاب الغصب في الفصل الرابع منه: الرابع إذا انتفع بمسجد، إما بأن اتخذه مسكنًا أو مخزنًا يحفظ فيه متاعه ضمن أجرة المثل، وتكون لمصالح المسلمين، كما لو أتلف مالًا من بيت المال فأما إن أغلق باب المسجد ومنع الناس من الصلاة فيه لا يضمن؛ لأن المسجد لا تثبت عليه اليد ويخالف ما لو حبس حرًا، لأن منفعة الحر تستحق بالإجارة، ومنفعة المسجد لا تستحق بالإجارة، وعلى هذا فلو انتفع بشارع من شوارع المسلمين فسكنه أو حفظ فيه متاعه، ومنع الناس من الممر فيه ضمن المنافع، فأما إذا نصب على الشارع بابا وأغلقه ولم ينتفع بالبقعة، لا يضمن لأن الشارع حق لجميع المسلمين كالمسجد سواء ويخالف الأرض الموقوفة على مصالح المسلمين إذا استولى عليها ظالم يضمن أجرة مثلها؛ لأنها لم تتعين لنوع منفعة، بل يجوز الانتفاع بها كما يجوز الانتفاع بالأراضي المملوكة، وأما الشارع فقد تعين وجه الانتفاع به كالمسجد سواء، وعلى هذا الأرض الموقوفة على دفن الموتى فيها وأراضي عرفات إن استولى عليها ظالم وانتفع بها ضَمِن، وإن لم ينتفع لم يضمن كالمسجد. هذا كلام صاحب "التتمة"، وقد ظهر لك منه أشياء منها مستحق الأجرة، ومنها أنه لا فرق في الوجوب بين أن يغلقه أو لا، ومنها أنه وإن ضمن هذه المنفعة بالتفويت لا يضمنها بالفوات، ويؤيده أن المسجد حر كما قالوه في الوقف وحبس الحر لا يقتضي أجرة.
واعلم أن القاضي الحسين في كتاب إحياء الموات قبيل باب إقطاع المعادن، قد حكى وجهين في وجوب الأجرة على من أشغل المسجد بوضع الأمتعة، وعلل عدم الوجوب بأنه لا يجوز إجارته، فلا قيمة لتلك البقعة، وقد تقدم عن "التتمة" نحوه.