لأنه جعله تمليكًا لا كناية في التمليك، ولم يشترط معه شيئا آخر، وليس كذلك فتفطن له، فقد صرح في أول الهبة بأنه كناية، فقال نقلًا عن العبادي: ولو قال: جعلته لابني، وهو صغير صار له لأن هينه منه لا تقتضي قبولًا، وهذا يلتفت إلى ما ذكرنا من الانعقاد بالكنايات، وإلى الاكتفاء بأحد الشقين، انتهى.
وأيضًا فإنه لو كان "جعلته لك" صريحًا في التمليك، كما لو قال: ملكتك، لكان قول البائع: جعلته لك بكذا، صريحًا في البيع بلا شك فإنه حينئذ يصير كقوله: ملكتك، وليس كذلك فقد نص في البيع على أنه كناية وأيضًا فقد قال الرافعي في آخر الباب الثاني من كتاب الوقف نقلًا عن "فتاوى القفال" ما نصه: وإنه لو قال: جعلت هذه الدار للمسجد، أو دفع دارًا إلى قيم المسجد، وقال: خذها للمسجد، أو قال: إذا مت فاعطوا من مالي ألف درهم للمسجد، أو قال: فداري للمسجد، لا يكون شيئًا، لأنه لم توجد صيغة وقف ولا تمليك ولك أن تقول: إن لم يكن صريحًا في التمليك فلا شك في كونه كناية فيه، انتهى.
وقد استفدنا منه أن الرافعي لم يحكم على هذه المسألة بالصراحة، بل صرح بالتوقف فيها وقد ثبت بما قلناه أنه كناية فوجب القطع به.
الأمر الثاني: أن النووي قد وقع له في هذه المسألة من "الروضة" اختلاف فاحش سببه سوء الاختصار، فإنه لما ذكر الحكم المنقول عن "فتاوى القفال" لم يعزه إليه، بل جزم بنقله ثم ذكر بعد ذلك ما ذكره الرافعي من الإشكال، فاقتضى كلامه الاتفاق نقلًا على أنه لا يكون شيئا على عكس الموضع الأول وأنه ليس فيه سوى البحث المذكور.
والعجب من مصنف يجزم بشيء من غير نقله عن أحد، ثم يعترض عليه، بل الصواب، في مثل ذلك نقله عن قائله ثم يذكر ما فيه كما هو