واعلم أن الغزالي عَبَّر في "الوسيط" بقوله: وبينهما مسافة تسمى سفرًا، وفي "الوجيز" بقوله: إن كان بينهما مسافة ضمن بالسفر، وتعليله بالسفر يبين أنه أراد موافقته لما في "الوسيط" أيضًا، وهو واضح وقد بين في "البسيط" أن المسمى بالسفر عند الإطلاق إنما هو الطويل، فقال: فإن كان بينهما مسافة القصر، فيطلق عليها اسم السفر فيضمن به؛ وإن كان دونه لم يضمن؛ هذا لفظه في "البسيط" وذكر في "النهاية" قريبًا منه فإنه قال: فإن كانت مسافة القصر فنقلها مسافر. . إلى آخره.
إذا علمت ذلك علمت أن ما فهمه الرافعي من أن مراد الغزالي بالسفر ما دون مسافة القصر ليس كذلك وظهر لك أيضًا الاعتراض عليه في مغايرته بين كلام "الوسيط" و"الوجيز".
قوله: الثالث: في أسباب الضمان، ترك الإيصاء بالمرض، فإذا مرض المودع عنده مرضًا مخوفًا أو حبس ليقتل لزمه أن يوصي بها فإن سكت عنها ضمن لأنه عرضها للفوات إذ الوارث يعتمد ظاهرًا اليد ثم قال: والتقصير إنما يتحقق بترك الوصاية إلى الموت فلا يحصل التقصير إلا إذا مات لكن تبينا عند الموت أنه كان مقصرًا من أول المرض وضمناه أو يكون التلف الحاصل بعد الموت ملحقًا بالتردي في بئر حفرها متعديا. انتهى.
وهذا البحث الذي أثاره الرافعي في معنى ضمانها يجب منهم إلا أن ما ذكره في معنى الضمان وتأويله بما ذكره ليس كذلك، بل مجرد المرض يصير ضامنا إذا لم يوص حتى لو تلفت في مرضه أو بعد صحته وجب ضمانها هذا مدلول ما ذكروه تصريحًا وتلويحًا، وهو ظاهر منقاس كسائر أسباب التقصير، ولم يذكر في "الروضة" هذا الكلام بالكلية.
قوله: في "الروضة": والمراد بالوصية الإعلام والأمر بالرد مع بقائها في يده. انتهى كلامه.