في مجموع له مشتمل على مسائل التفسير وغيرها ما حاصله: أنها عربية فقال: القحبة مأخوذ من القحاب بالضم وهو السعال وذلك أنهم كانوا يقولون للزانية إذا عطست الورا والقحاب، والورا بالفتح والقصر هو داء في الجوف ومنه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأن يمتليء جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرًا"(١) فلما لازمها ذلك عند الدعاء عليها عند العطاس اشتق لها منه اسم. هذا كلامه، وغايته أن يكون مجازًا إن لم يكن حقيقة، والمجاز ليس خارجا عن لغة العرب لانقسام اللغة إلى حقيقة ومجاز، وذكر الجوهري أن القحبة مولدة ولم يزد على ذلك، قال: ويقال: وري القيح جوفه وريًا إذا أكله ثم ذكر الحديث.
قوله: وقال -يعني: أبا العباس الروياني-: إن الأحمق من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصًا بينًا بلا مرض ولا سبب. انتهى كلامه.
وهذا التفسير الذي ذكره في الأحمق واقتصر عليه قد ذكر خلافه في كتاب الكفارات واقتصر عليه أيضًا فقال: ويجزئ الأحمق، وفسر بأنه الذي يضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه، والمجنون لا يعلمه. هذا لفظه وذكر مثله هناك أيضًا صاحب "المهذب" و"التهذيب" وفي "الحاوي" أنه الذي يضع كلامه في غير موضعه فيأتي بالحسن في موضع القبيح وعكسه وفي "التتمة" و"البيان" أنه من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه، والعجب من تركه لهذه المقالات المذكورة في هذه الكتب المشهورة واقتصاره على نقلها عن من نقل، ولم يتفطن النووي لما ذكرناه من مخالفة الرافعي هناك، وإنما نقل كلام بعض من نقلنا عنه.
قوله: وذكر الغزالي في "الوسيط" أنه وقع في الفتاوى أن رجلا قال لزوج ابنته: في مخاصمتهما لم تحرك لحيتك فقد رأيت مثل هذه اللحية كثيرًا، فقال: إن كنت رأيت مثل هذه اللحية كثيرًا فابنتك طالق، قال: وليس المراد المماثلة في الشكل والصورة وعدد الشعر وإنما يكنى باللحية في هذا الموضع عن الرجولية والفتوة ونحوهما فإن حمل اللفظ على المكافأة وقع
(١) أخرجه البخاري (٥٨٠٣) ومسلم (٢٢٥٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.