أحدهما: أن الإشكال وجوابه إنما أوضحهما النووي في زكاة الفطر لكنه قد أشار إلى شيء منه في زكاة المعشرات فاعلمه.
الأمر الثاني: أن الصواب في التقدير بالوزن المذكور إنما هو بالشعير كما قاله ابن عطية، فقد امتحنه ابن الرفعة بالعمل فوجده صحيحًا فقال في تصنيفه المسمي "بالإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان": أحضر إلى من يوثق به من الفقهاء الورعين مدا من خشب مخروط لم يتشقق ولم يسقط منه شيء وأخبرني أنه عايره على مد الشيخ محب الدين الطبري شيخ الحرم الشريف بمكة وأن الشيخ محب الدين المذكور ذكر أنه عايره على مد صح عنده بالسند أنه معاير على ما عوير على مد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فامتحنته بما قال بعض أصحابنا وغيرهم أنه يقع به المعيار وهو الماش والعدس فوجدت كيله بها يزيد على المائتين زيادة كثيرة فاستحضرت أن الغالب على الظن أن المعيار إنما وقع بالشعير لأنه الغالب من أقوات أهل المدينة في الصدر الأول، كما دلت على ذلك الأخبار فاعتبرت بالشعير الصعيدي المغربل المنقى من الطين وإن كان فيه حبات من القمح يسيرة فصح الوزن المذكور بكيل المد المذكور.
ثم وزن فجاريته مائة وثلاثة وسبعين درهمًا وثلث دراهم بالمصري، ثم وزن من الشعير المقدار المذكور ووضع في المد المذكور فكان بقدره من غير زيادة عليه، وكان ذلك بحضرة جمع من أهل العلم الأخيار ففرحت بذلك وفرحوا فرحًا شديدًا، ومنه يظهر صحة قول من ادعى أن الرطل البغدادي مائة وثلاثون درهمًا، وبه يظهر أيضًا صحة صنج الدراهم الموجودة حينئذ بمصر، هذا كلام ابن الرفعة.
قوله: ولو جمع ستين مسكينًا ووضع بين أيديهم ستين مدًا وقال: خذوا ونوى الكفارة، فأخذوا بالسوية أجزأه، ثم قال: فإن تفاوتوا لم يجزئه إلا واحدًا، لأنا نتيقن أن أحدهم أخذ، انتهى ملخصًا.