الأمر الثاني: أنه قيد محل الخلاف بقوله في آخر كلامه إن هذا عند الاتفاق على الحضور قبل ذلك، ولم يبين الحكم عند عدم الاتفاق عليه، والمتجه فيه التعارض جزمًا لانتفاء التعليل بزيادة العلم.
قوله: ويعتبر في بينة الغيبة أن يقولوا إنه كان غائبًا إلى موضع كذا، أما إذا اقتصروا على أنه لم يكن هاهنا فهذا نفي محض لا تسمع الشهادة به. انتهى كلامه.
واعلم أن ما ذكره وإن كان شهادة على نفي إلا أنه نفي محصور، وقد اختلف كلامه وكلام "الروضة" في قبول الشهادة بمثله، وسوف أذكره مبسوطًا في آخر أبواب الدعاوي في الباب المعقود لمسائل منثورة فراجعه.
والخلاف يجرى أيضًا في دعوي بعض الورثة غيبة القاتل إذا قلنا: أن التكذيب يبطل اللوث. قاله الماوردي وسكت الرافعي عما لو اقتصر الشهود على قولهم كان غائبًا، وكلام الغزالي يوهم أنه لا يكفي أيضًا، والمتجه الاكتفاء بذلك نظرًا إلى اللفظ وبه جزم أبو عبد الله الطبري في "العدة".
قوله: ولو شهد عدل أو عدلان أن زيدًا قتل أحد هذين القتيلين فليس بلوث لأن ذلك لا يوقع في القلب صدق ولي أحدهما. انتهى.
وهذا التعليل يؤخذ منه أن صورة المسألة فيما إذا لم يكن ولى القتيلين واحدًا، فإن كان كذلك كان لوثًا، وقد صرح به ابن يونس شارح "التنبيه" قال في "المطلب" ويقوي ما قاله إذا قلنا بالصحيح إن الواجب بالقسامة إنما هو الدية خاصة وكانت ديتهما متساوية.
قلت: ويؤيده أيضًا كلام ذكره الرافعي بعد هذا في الباب المعقود للشهادة على الدم فقال: وهل يجب في الأرش إذا أطلق الشهود أنه أوضح موضحة وعجزوا عن تعيينها؟ وجهان: أصحهما: نعم، لأن الأرش لا يختلف باختلاف محلها وقدرها، ويدل عليه ما نص عليه في "الأم"