في أسباب الجرح، وما قالاه فيها مع ما قالاه هنا من قبول الشهادة المطلقة على الردة في غاية التباين فإن الاختلاف فيها أكثر وأمرها أغلظ ولا ينفع في هذا إمكان تلفظ الشهادتين فإنه قد يكون ميتًا فتترتب عليه أحكام المرتدين ويفسخ عليه نكاح زوجاته اللاتي لم يدخل بهن بتقدير حياته.
ثم إن إخبار العدل بتنجيس الماء قد فصلوا فيه بين أن يكون موافقا للمخبر له في اعتقاده أم لا؛ فإن كان موافقا فيقبل من غير بيان السبب، وإن كان مخالفًا فإن بين السبب قبل وإلا فلا، وهذا التفصيل لم يذكره في شئ مما تقدم، ولو قيل به هاهنا لم يكن بعيدًا؛ فإن المدرك في الكلام واحد. وأيضًا فقد قالوا في الشهادة بالرضاع: إن تعرض للشرائط قبلت وإلا فوجهان، قال الرافعي: والأكثرون على أنها لا تقبل لاختلاف المذاهب.
قال: ويحسن أن يتوسط، فيقال: إن أطلق فقيه يوثق بمعرفته قبل وإلا فلا.
واعلم أن القولين في مسألتنا مخرجان وحينئذ فلا اعتراض على النووي حيث جعله في "الروضة" قولين وفي "المنهاج" وجهين.
قوله: وعلى هذا -أي: قبول الشهادة المطلقة- لو شهد شاهدان عليه ردته فقال: كذبا أو ما ارتددت قبلت شهادتهما ولم يعينه التكذيب بل عليه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلمًا، ولا ينفعه ذلك في بينونة زوجته، وكذا الحكم لو اشترطنا التفصيل ففصلا وكذبهما المشهود عليه، وليس ذلك كما لو شهد شهود على إقراره بالزنا وأنكر لا يحد لأن الإقرار بالزنا يقبل الرجوع فيجعل إنكاره رجوعًا، ولا يسقط القتل عن المرتد بقوله رجعت فلا يفيد الإنكار والتكذيب. انتهى كلامه.
ومقتضاه أنه لا يحد إذا قال كذبا وقال لم أزن لكنه قد نص على الأولى