أحدهما: أن تعليله للوجه الثاني غلط، لأن الاجتهاد يشترط في القاضي لا في الشاهد، وقد ذكره البغوي على الصواب فقال: لأنه مجتهد فيه والاجتهاد إلى القاضي لا إلى الشاهد، ذكر ذلك قُبَيْل باب التحفظ في الشهادة، فسقط من (إلى) إلى (إلى)، وحذف النووي هذا التعليل من "الروضة" فَسَلِمَ.
الأمر الثاني: أن الرافعي لم يبين صورة المسألة وتابعه النووي على ذلك وزاد فصحح القبول، فلنوضح ذلك فنقول: لا شك أن الشاهد والحالة هذه له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يشهد بنفس الجوار وما في معناه كالبيع عند إنكاره.
والثاني: باستحقاق الأخذ بالشفعة.
والثالث: بشفعة الجوار.
فأما الأول: فكلام الرافعي بعيد منه، وفي جواز الشهادة به وبكل ما يترتب عليه خلاف ما يعتقده الشاهد وجهان حكاهما الرافعي من غير ترجيح في الباب الثالث من أبواب الشهادات قُبيل القيد الخامس من القيود المعتبرة في وجوب الأداء، وذكر بعده بنحو ورقة ما يشعر بالجواز.
وأما الثاني والثالث: فكلام الرافعي محتمل لكل منهما ولم يتكلم فيهما إلا على القبول، وأما الجواز للشاهد: فينبغي منعه لاعتقاده خلافه، وقد ذكر الرافعي في آخر الباب الأول من أبواب الرهن: أنه إذا [رهن] عينًا بعشرة ثم استعرض عشرة لتكون رهنًا بهما وأشهد شاهدين أنه مرهون بعشرين وعرف الشاهدان حقيقة الحال وهو رهن المرهون بدين آخر عند المرتهن، نظر إن شهدا على إقرار الراهن فالوجه تجويزه مطلقًا، وإن شهدا أنه مرهون فإن كانا لا يعتقدان جواز الإلحاق لم يجز بل عليهما بيان الحال، وفيه وجه بعيد.