وهذا الكلام صريح في أن الشاهد إذا كان مستنده الاستفاضة وصرح بذلك في شهادته لم يكن قادحًا في شهادته فتفطن لذلك فإنه الصواب، وسيكون لنا عودة لذلك في الشهادات إن شاء الله تعالى.
قوله: ولا يجعل الجارح بذكر الزنا قادحًا للحاجة، كما لا يجعل الشاهد قاذفًا، فإن لم يوافقه غيره فليكن كما لو شهد ثلاثة بالزنا هل يجعلون قذفه؟ فيه القولان. انتهى.
قال في "الروضة": المختار أو الصواب: أنه لا يجعل قاذفًا وإن لم يوافقه غيره، لأنه معذور في شهادته بالجرح فإنه مسئول عنها وهي في حقه فرض كفاية أو متعينة بخلاف شهود الزنا فإنهم مندوبون إلى الستر فهم مقصرون، والله أعلم. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما اختاره النووي من كونه لا يصير قاذفًا هو المعروف في "المهذب"، فقد جزم به الشيخ أبو حامد والقاضي الحسين والروياني وغيرهم تفريعًا على الوجوه فيما إذا شهد ثلاثة بالزنا، ولم يقل أحد منهم بتخريج المسألة هنا على ذلك الخلاف كما فعله الرافعي.
نعم حكى الإمام وجهين:
أحدهما: أنه لا يكون قذفًا في هذا المقام، لكونه مسئولًا كما سبق.
والثاني: نعم كغيره، فعلى هذا لا يكلفون التصريح به بل يكفي التعريض، هذا كلام الإمام، وقد تلخص أن ما اقتضاه كلام الرافعي هنا من وجوب ذكر الزنا ووجوب الحد عليه باطل غير معروف، قال: فإن القائل قائلان: قائل بعدم وجوب الذكر، وقائل بوجوبه وأنه لا حد عليه هنا، ولا شك أنهما لم يقفا في هذه المسألة على نقل بل تفقها فيها، فصادف أن ما ذكره النووي فيها هو الصواب نقلًا ودليلًا.