يحلفه بلا شك؛ لأن الحاكم لم يحلفه عليه، إذ التحليف إنما كان على عدم القضاء إلى حالة الحكم، وهذا مع وضوحه يؤخذ من التعليل الذي ذكره الرافعي.
وإذا تقرر ذلك، فإذا ادعى الإقباض وأطلق حلف أيضًا لاحتمال الإقباض في الحالة المذكورة، وهذا كله مع الإمكان.
أما إذا لم يمكن كما إذا ادعى إقباضه إياه وكان أحدهما ملازمًا للقاضي إلى تلك الحالة، فإنه لا يحلف.
فتلخص أنه يحلف لدعوى الإقباض عند الإمكان جزمًا، وأنه لا يحلف عند عدم إمكانه، وعليه يحمل ما نقله الرافعي عن "العدة"، ولا شك أن الإبراء ممكن في كل وقت لاستقلال الشخص به، وحينئذ فيحلف في الحالة التى يستحيل فيها الإقباض، فكذلك جزم به البغوي، فتلخص أن المذكورين لم يتواردا على محل واحد فليست المسألتان على وجهين.
قوله: فإذا نادى قاض من طرف ولايته قاضيًا آخر في طرف ولايته: أني سمعت البينة بكذا، أو جوزنا قاضيين في بلد فقال ذلك قاض لقاض هل للمقول له الحكم بذلك؟ بنى الإمام والغزالي ذلك على أن سماع البينة وإنهاء الحال إلى قاضٍ آخر هل هو نقل لشهادة الشهود كنقل الفروع شهادة الأصول أو حكم بقيام البينة؟ وفيه جوابان:
وجه الأول: أنه لو كان حكمًا، لم يفتقر إلى تسمية الشهود.
ووجه الثاني: أنه لو كان نقلًا، لم يكف ناقل واحد وقد اكتفينا بالقاضي المنهي.
فعلى الأول: لا يجوز للمقول له الحكم كما لا يجوز الحكم بشهادة الفروع مع خصوم الأصول، وعلى الثاني، يجوز كما في الحكم، وهذا أظهر عند الإمام والمصنف، لكن عامة الأصحاب منعوه. انتهى كلامه.