والذي أوقعه في ذلك إنما هو إيهام وقع في كلام "الوسيط"، فإنه عبّر بقوله: وإن لم نجوز القضاء بالعلم، فقد أطلق بعض الأصحاب جوازه، وقال الإمام: لا نجوز، ومراده بذلك أن بعض الأصحاب أطلق جوازه من غير تقييد بجواز القضاء بالعلم، والإمام نزل هذا المطلق على ما إذا جوزنا القضاء بالعلم. هذا معنى كلامه.
ويؤيده أن أصول "الوسيط" كلها وهي "تعليقة القاضي الحسين" و"النهاية" و"الوسيط" ذكروه كذلك، ولم يحك أحد منهم خلافًا، وقد تقدم في الخطبة أن أصول "الوسيط" أربعة: هذه الثلاثة و"الإبانة" للفوراني، ولم يتعرض لها الفوراني بالكلية.
قوله: فرع: في "الوسيط" أن القاضي إذا حكم بالحق وشافه به واليًا غير قاضي ليستوفي فله أن يستوفي في محل ولاية القاضي، وكذا خارجه على الصحيح؛ لأن سماع الوالي مشافهة كشهادة الشهود عند القاضي. انتهى كلامه.
وهذا الفرع قد ذكره الإمام في "النهاية"، فأخذه منه الغزالي ناقلًا له على غير وجهه فقلده فيه الرافعي، ثم إن النووي تبع الرافعي عليه وزاد فلم يسنده إلى الغزالي بالكلية فزاد الأمر فسادًا، فإن الإمام في "النهاية" قد قال في أثناء باب مكاتبة القاضي إلى القاضي ما نصه: فلو كتب إلى ذي ولايته وليس إليه القضاء، فلا يملك أيضًا استيفاء الحق من حيث إنه لا يتواصل إلا بسماع الشهادة، وسماعها من منصب القضاء كما تقدم، فلو وقف القاضي شرقي بغداد على طرف ولايته ونادى والي الغربي وليس قاضيًا: بأني قضيت على فلان ببينة أو إقرار فاستوف ذلك الحق منه، فالوجه عندنا: أنه لا يستوفي أيضًا، فإنه ليس إليه سماع قول القاضي كما ليس إليه سماع شهادة الشهود، ويتجه أن يستوفيه من جهة أن القضاة قد يستعينون بالولاة وينقدح في ذلك فرق: فإن القاضي إذا استعان بالولاة الذين في محل ولايته يتحتم على الولاة طاعتهم، لأن حكمه نافذ عليهم،