واعلم أن الامتناع في هذه المسألة ليس هو لأجل التصريح في شهادته بالاستفاضة، بل لأجل أنه لم يشهد بالمقصود وإنما شهد على جريان النسب، ثم نقل عن أبي عاصم ما نقل إشارة إلى أنه اكتفى فيه بالشهادة على النسب، وحينئذ فتكون الشهادة على الاستفاضة أيضًا كافية تفريعًا على تلك المقالة، وهذا كله غير خاف من كلامه، وأما التصريح بالاستفاضة عند الإتيان بالصيغة المعتبرة وهي لفظ الشهادة فليس في كلام الرافعي هنا تعرض له، وقد صرح بجوازه في الكلام على البحث عن حال الشهود وهو قبيل الباب الثالث من أبواب القضاء وهو الباب المعقود للغائب فقال: وهل يشترط التعرض لذكر السبب كرؤية الجرح أو سماعه؟
قال قائلون: نعم، فلابد أن يقول: رأيته يزني، وسمعته يقذف، وعلى هذا القياس يقول في الاستفاضة: استفاض عندي.
وفي "الشامل": أنه لا حاجة إليه، وليس للحاكم ذلك كما في سائر الشهادات، وهذا أقيس انتهى.
وحاصله جواز الإتيان بذلك وحكاية الخلاف في اشتراطه، فلو كان ذكره قادحًا لقدح في كل شهادة، ونقل ابن الرفعة عن ابن أبي الدم: أن الشاهد إذا صرح في شهادته بالاستفاضة لا تقبل شهادته في أصح الوجهين، فكأن سببه أنه بمنزلة شهود الفرع مع شهود الأصل، وقد ذكر الرافعي في الركن الخامس من كتاب الدعاوى في أثناء المدرك الثالث من مدارك ترجيح البينة فرعًا قريبًا منه، فقال: ولو شهد بملك ماض ولم يتعرض للحال لم يسمع في أصح القولين، ثم قال: ويجوز أن يشهد بالملك في الحال اعتمادًا على الاستصحاب، فلو صرح في شهادته بأنه يعتمد الاستصحاب فوجهان، قال الغزالي والأصحاب: لا تقبل كما لا تقبل