للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله في "الروضة": الخامسة عشرة: ترك الاستعانة وهل تكره؟ فيه وجهان انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن الرافعي قد صحح في الشرحين الكبير والصغير عدم الكراهة وعبر فيهما بالأظهر ولم ينقله عنه في "الروضة" بل حذف التصحيح المذكور ثم ذكره من "زياداته" وهو في غاية الغرابة.

الثاني: أن مقتضى هذا الكلام اختصاص ذلك بما إذا طلب المتوضئ الإعانة حتى لو أعانه غيره وهو ساكت لا يكون خلاف الأولي فإن الشيء للطلب ولهذا لو حلف لا يستخدمه فخدمه ساكتًا لا يحنث وهذا مخالف لما يقتضيه كلام الرافعي فإن عبارته الخامسة ألا يستعين في وضوئه بغيره. روى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنا لا أستعين على وضوئي بأحد" (١) قاله لعمر - رضي الله عنه - وقد بادر ليصب الماء على يديه، ولأنه نوع من التنعم والتكبر وذلك لا يليق بحال المتعبد، والأجر على قدر النصب، وهل تكره الاستعانة؟ وجهان:

أظهرهما: لا. لأنه -عليه الصلاة والسلام- قد استعان بأسامة والربيع بنت معوذ، وكذلك بالمغيرة لأجل جبة ضيقة الكمين انتهى. فاستدلاله بالحديث والمعني يدلان على أنه لم يرد بالاستعانة حقيقتها وإنما أراد الاستقلال بالأفعال.

الثاني: أن الاستعانة بأسامة والمغيرة ثابتة في الصحيحين (٢) لكن دعواه أن الاستعانة بالمغيرة لأجل ضيق الجبة تبع فيه الإمام والغزالي، وقد أنكر ابن الصلاح عليهما ذلك وقال: إن الثابت في الصحيحين أنه كان لابسها لكن لم يستعن لأجلها، فإنه استعان في غسل وجهه به فلما انتهى إلى غسل يديه ضاقت كماه، فلم يستطع أن يخرج يديه منهما فأخرجهما من أسفل


(١) قال النووي في "المجموع": هذا حديث باطل لا أصل له.
(٢) البخاري (٣٥٦)، ومسلم (٢٧٤) من حديث المغيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>