جلس فيه فيستتر بالستر المذكور في الاستقبال، وإذا جلس فيما يمكن تسقيفه فهو ساتر، هكذا جزم به الرافعي في الشرحين والنووي في "الروضة" قبيل هذه المسألة وحينئذ فإذا كان بينه وبين حائط الذي يمكن تسقيفه أكثر من ثلاثة أذرع كان كافيًا في السترة المأمور بها عن العيون دون السترة المأمور بها في تحريم الاستقبال، وكثيرًا ما تلتبس المسألتان، وذكر النووي في "شرح المهذب""والتحقيق" ضابط السترة المذكورة في الصحراء والبنيان ولم يذكر ضابط السترة عن العيون بل ذكر أنه يستتر عن العيون ولم يزد عليه وهو عجيب موهم قوله: وسبب المنع في الصحراء فيما ذكر أن الصحراء لا يخلو من حصل من ملك أو جني أو إنسي فربما وقع بصره على عورته وأما في الأبنية في الحشوش فلا يحضرها إلا الشياطين، ومن يصلي فيكون خارجًا عنها فيحول البناء بينه وبين المصلي انتهى كلامه.
وما ذكره في الفرق بين الصحراء والبنيان ضعيف، وقد أوضح النووي ضعفه في "شرح التنبيه" المسمى بـ"التحفة" فقال: وهذا التعليل ضعيف فإنه لو قعد مستقبلًا للحائط: قريبًا منه ووراءه فضاء واسع جاز، وصرح به إمام الحرمين وصاحب "التهذيب" وغيرهما ولو صح هذا التعليل لحرم هذا، والتعليل الصحيح ما ذكره القاضي الحسين وصاحب "التهذيب""والبحر" وغيرهم أن جهة القبلة معظمة يوجب صيانتها في الصحراء ورخص فيها في البنيان للمشقة هذا كلامه وهو واضح.
والحشوش جمع حش بفتح الحاء المهملة وبالشين المعجمة المشدودة وهو المرحاض، وأصل الحش في اللغة البستان وإنما سمى المرحاض، به لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في البساتين لعدم الأخلية عندهم.