والاستنشاق فإن محلهما غير محل الواجب إذا لا يجب إيصال الماء إلى باطن الفم والأنف بخلاف ما نحن فيه، والصواب في هذه المسألة أن نقول: إن تجردت الجنابة عن الحدث الأصغر نوى بوضوئه نية الغسل، وإن اجتمعا كما هو الغالب نوى به رفع الحدث الأصغر ليخرج من الخلاف، وقد ذكره في "الروضة" من زوائده وسبقه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" إلى بعضه ولكنه لم يهذبه فذكره في "الروضة" مهذبًا.
والذي قالاه مخالف في الحقيقة لقول الرافعي أنه لا يحتاج إلى إفراده بنية، ونقل النووي في "شرح المهذب" عن الأصحاب أنه لا فرق في حصول نية الغسل بين أن يقدم الوضوء كله أو بعضه أو يؤخره أو يفعله في أثناء الغسل، ولكن الأفضل تقديمه، فإن سلم للرافعي هذا فأخره المغتسل صح أن يقال: إنه لا يحتاج إلى إفراده بالنية؛ لأنه من سننه ونية الغسل قد تقدمت، ولكن ظاهر كلام الرافعي يشعر بالتقديم لا غير ولم يرد في الأَحاديث الصحيحه غيره وهو قياس ما ذكره في سنن الوضوء من اشتراط تقديم غسل الكفين على المضمضة ثم هي على الاستنشاق، وعللوه بأنه الوارد في الأحاديث.
ثم إنه إذا أخره وقد اجتمع عليه الحدثان فلا يتجه القول بأنه ينوي به رفع الحدث الأصغر كما أطلقه النووي لأنه يعتقد أنه قد ارتفع بغسل الجنابة فيكون متلاغيًا.
وقد ذكر الشافعي في "المختصر" كلامًا حاصله أنه لا يأتي بالوضوء بعد ذلك، وسأذكر لفظه بعد ذلك بنحو ورقه وقد ذكر الداوودي شارح المختصر كلامًا غريبًا فقال في أول الباب قوله: أي قول الشافعي: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة أي يقدم غسل أعضاء وضوئه على غيرها من الأَعضاء على