فقصد به الجامع الأموي ونزله فلقى فيه خطيب الجامع، وإمامه الشيخ جمال الدين عبد الكافي بن عبد الملك الربعي الدمشقي، فتوجه بالنووي إلى حلقة الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن ضياء الفزاري المعروف بابن الفركاح.
فطفق عندئذ يشمر عن ساعد الجد في طلب العلم فحفظ "التنبيه" في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع "المهذب" حفظًا في باقي السنة على شيخه الكمال بن أحمد. ثم جمع مع أبيه، وأقام بالمدينة شهرًا ونصفًا ومرض أكثر الطريق.
فذكر الشيخ أَبو الحسن بن العطار أن الشيخ محيي الدين ذكر له أنه كان يقرأ كل يوم اثنى عشر درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا: درسين في الوسيط، وثالثا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، وخامسا في صحيح مسلم، ودرس في اللمع لابن جني في النحو، ودرسا في إصلاح المنطق لابن السكِّيت في اللغة، ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه تارة في اللمع لأبي إسحاق، وتارة في المنتخب للفخر الرازي، ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدين، وقال النووي عن نفسه فيما يرويه عنه ابن العطار: إنه كان لا يضيع له وقتًا لا في ليل ولا في نهار حتى فى الطريق، وأنه دام ست سنين. ثم أخذ في التصنيف، والإفادة، والنصيحة.
زهده وورعه:
قد نال الإمام النووي غاية الزهد، ووصل إلى ذروته، فكان فيه رأسًا لا يبارى قد حقق شروطه، وأدرك غايته، وأخرج الدنيا من قلبه جملة.
ولم يجعل لنفسه إلا ما تقوم به بنيته ليحقق عبوديته، فلقد عزل في تضييق عيشه في أكله، ولباسه، وجميع أحواله، وقال له عاذله: أخشى عليك مرضًا يعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده قال: فقال لي: إن فلانًا صام، وعبد الله تعالى حتى اخضر عظمه. قال عاذله: فعرفت أنه ليس له غرض في