التعقيد المرهق، والإطناب المزهق، مبينين دور التحقيق ومستلزماته، مستفيدين من تجاربنا الخاصة التي حصدناها منذ سنوات في مضمار التحقيق ودراسة المخطوطات وتدريسها، مستعينين بالملاحظات التي استقيناها من العلماء الذين سبقونا في هذا الميدان، وكل قصدنا أن نضع بين أيدي المحققين من طلاب الدراسات العليا وغيرهم من طلاب العلم المشتغلين بهذا الفن جرعة علمية نافعة، تقوتهم حينًا، وتقودهم إلى تذليل باكورة أعمالهم التحقيقية حينًا آخر.
ولهذا سنشرع في بيان التحقيق غايته ومنهجه، ليعلم الطالب أن الفارق كبير بين التحقيق وبين الدراسة والتعليق.
التحقيق لغةً واصطلاحًا:
شاع في العصر الحديث استعمال كلمة "التحقيق" في نشر الكتب وتصحيحها وخدمتها، بتوثيق نصوصها، وتوضيح غامضها، وضبط مشكلها، وتيسير مادتها للقارئين، والكلمة قديمة لغة واصطلاحًا، ولكنها لَم تكن شائعة الاستعمال شيوعها في العصر الحديث.
ومعنى التحقيق في اللغة: التأكد من صحة الخبر وصدقه، وحقق الرجل القول صدقه، أو قال هو الحق، وفي اللسان:"وتَحقق عنده الْخَبر أي صح، وحقق قوله وظنه تَحقيقًا أي صدق".
أمَّا معناه الاصطلاحي فهو: إثبات المسألة بالدليل، كما يقول الجرجاني في تعريفاته:"التحقيق إثبات المسألة بدليلها"، وكذلك هو عند العلماء، يقول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون:"التحقيق في عُرف أهل العلم: إثبات المسألة بالدليل"، ويقول ابن المعتز في طبقات الشعراء بعد أن يورد عدة روايات في سبب مقتل صالح بن عبد القدوس:"والله أعلم بتحقيق ذلك".