واعتضاد مذهبي لا لمجرد دعوي رجحانه من جهة الدليل، إذ المذهب نقل، والترجيح المذكور تارة يكون ببيان نص الشافعي في المسألة وهو أعظم الترجيحات مقدارًا وأعلاها منارًا، وتارة بموافقة الأكثرين فإنه يجب الأخذ به، كما صرح به في "الروضة" في أوائل القضاء، وتارة بغير ذلك مما ينشرح به صدرك وتقر به عينك.
وأما ما اختلف فيه الإمامان فالترجيح بينهما سهل، وذلك لأن النووي إن خالف معتمدًا على الأحاديث ونحوها كانتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل وصوم الولي عن الميت ونحوهما، فالعمل بتصحيح الرافعي قطعًا لأنه مذهب الشافعي ولهذا قال هو في مقدمة "شرح المهذب"، وابن الصلاح في "أدب المفتي والمستفتي" وغيرهما: ومعنى قولهم: إن المسألة الفلانية مما يفتي فيها على القديم أن من له أهلية الاجتهاد في المذهب يجوز له أن يأخذ، به وأما غير المجتهد فلا يأخذ إلا بالجديد. لأنه مذهب إمامه وإن اعتمد -أعني النووي- على غير ذلك تعين الأخذ بما قاله لأن المعترض بالمنقول لاسيما من عنده ورع لا يقدم على الاعتراض إلا بكتب وزيادة اطلاع، خصوصًا أن الرافعي لم يلتزم في "الشرحين" طريقة المعظم، فإن استند -أعني النووي- إلى منقول لم يوجد فيه الشرط المذكور نبهت عليه.
النوع الثالث: بيان ما وقع في الكتابين المذكورين من الأغلاط العجيبة والأوهام الغريبة، وهي للنووي أكثر منه للرافعي، وفي نقل الرافعي عن الإمام بخصوصه أكثر منه في النقل عن غيره، وقد كنت أفكر في سبب ذلك إلى أن ظهر لي بحكاية سمعتها من قاضي القضاة جلال الدين القزويني في درسه بالمدرسة الناصرية في القاهرة نقلًا عن والده، وقد كان -أعني والده- في بلد الرافعي، وممن أخذ عنه على ما ذكر ولده القاضي المذكور، أن "النهاية" التي هي بخط الإمام كانت بقزوين لنسوة ورثنها وكن لا يسمحن بإخراجها وكان الرافعي يأتي إلى مسجد قريب من منزلهن